للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تخف عنه بالصلاة" (١).

ثانيًا: تفريغ القلب من الأشغال، والإقبال عليها بخلو بال، قال ابن كثير: " والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين" (٢).

ثالثًا: حضور القلب فيها، والتفهم، والتعظيم والهيبة، والرجاء والحياء، قال الغزالي في تفصيل هذه الأمور: "بيان المعاني الباطنة التي تتم بها حياة الصلاة، اعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها، ولكن يجمعها ست جمل وهي: حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء. فلنذكر تفاصيلها، ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها. أما التفاصيل:

فالأول: حضور القلب، ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقرونًا بهما، ولا يكون الفكر جائلاً في غيرهما، ومهما انصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء؛ فقد حصل حضور القلب ولكن التفهم لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضراً مع اللفظ ولا يكون حاضراً مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم. وهذا مقام يتفاوت الناس فيه؛ إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات، وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله، ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر؛ فإنها تفهم أموراً تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة. وأما التعظيم فهو أمر وراء حضور القلب والفهم، إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظمًا له، فالتعظيم زائد عليهما. وأما الهيبة فزائدة على التعظيم،


(١) الوابل الصيب، لابن القيم (ص: ٣٤).
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٢٩٢).

<<  <   >  >>