للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذه الأمّة- التي لم تكن تعرف الله، ولا تعلم توحيد ربوبيته- عبّادا ناسكين يحيون الليل بذكر الله، ويبلغون رسالاته في النهار.

لقد أخذت بأيديكم، فأريتكم مسجد هذا النبي صلّى الله عليه وسلم في المدينة، وزرتم معي جامعته النبوية الكبرى زيارة كاملة، فاجتمعتم بأصناف من تلاميذه، ولقيتم من أصحابه العلماء، والفقهاء، وواضعي النظم والأحكام، وتعرفتم بالجندي الباسل، والقاضي العادل، وتشرفتم بزيارة العظماء من ولاته، وحكامه، وتعرفتم بالفقراء، والمساكين، والملوك، والسلاطين، وقابلتم السادة الأحرار، والعبيد الأبرار. وعرضت عليكم نماذج ممّن استشهدوا في سبيل الله، وماتوا ابتغاء مرضاة الله، من الغزاة والمجاهدين، فما هو رأيكم في كلّ ذلك، وبماذا تحكمون؟ إنّ أكبر ظني فيكم أنّكم حكمتم وقطعتم في حكمكم بأنّ محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان جامعا للكمال البشري، ومثلا أعلى للمحامد الإنسانيّة، والصفات العليا، و:

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

كيف لا وهي المحاسن المحمّدية المتنوعة، والمحامد النبوية المختلفة، تراءت في أصحابه جميعا، وظهرت في رفقائه، وتجلّت في جلسائه. فبنوره استنار فؤاد الصدّيق الأعظم، وبحكمته امتلأ قلب الفاروق الأكبر وعقله حكمة، وثقوب فكر، وسداد رأي، ومنه اكتسب ذو النورين عثمان الأنور رحمته، وخيريته، وفضائله، ومن بلاغته تفجّر البيان على لسان عليّ كرّم الله وجهه.

وكلّ ما ترى في خالد، وأبي عبيدة، وسعد، وجعفر «١» من تدبير الحرب، وإحكام الرأي في تعبئة الجيوش وزحفها، وما ترى في الصدّيق من العزيمة، والأمانة، وحرية الرأي، وغنى النفس، والزهد في


(١) هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، صحابي من الشجعان، يقال له: «جعفر الطيار» وهو أخو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وهو من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، حضر وقعة مؤتة بالبلقاء، واستشهد فيها سنة ٨ هـ.

<<  <   >  >>