الأموال والإعراض عن زينة الدنيا وزخارفها، وما تراه من التبتّل إلى الله، والانقطاع له في ابن عمر، وأبي ذرّ، وسلمان، وأبي الدرداء «١» ، وما تجد في ابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود من علم جمّ، وفقه عميق في الدّين، ورأي في الأحكام سديد، وما تلاحظه على بلال، وصهيب، وعمار، وخبيب من السكينة، والسّلوى، والطمأنينة، وقويّ الإيمان، والحنين إلى لقاء الله، كل أولئك مقتبس من أنوار محمّد نبيّ الله، ومهبط الوحي، ومحط القرآن، صلاة الله وسلامه عليه، فهو كأنّه الشمس المضيئة تشرق، فتنير بأشعتها قلل الجبال، وبطون الأودية، وصحارى الأرض، ووهادها، وبطاحها، وتتلألأ بضوئها لجج الأنهار الجارية ونباتات الحقول السندسية، كما تلمع بها البقاع القاحلة، والرمال التي لا آخر لها، فيأخذ كلّ منها نصيبه من الضوء على قدره، بل كأنه صلّى الله عليه وسلم غيث يهطل من سحابة درور، فيصيب الجبال الشماء، والغابات اللفاء، والصحارى القاحلة، والساحات الواسعة، والبطاح العريضة، والحدائق الزاهية، فيسقي جميع ذلك فينبت نباتات شتّى بالأوراق الجميلة، والأزهار المنعشة، والأشجار المتنوعة.
نعم، كان الصحابة- كسائر البشر- متفاوتين في طباعهم، ومواهبهم، وجبلاتهم، لكنهم ائتلفوا جميعا بالإسلام، واتّحدوا، واشتركوا في غاية واحدة، فكانوا يعملون لوجه الله، ويبتغون بعملهم مرضاته عزّ وجلّ.
سواء في ذلك قضاتهم، وولاتهم، وفقراؤهم، وأغنياؤهم، ورعاتهم، ورعاياهم، وغزاتهم، وشهداؤهم، وجنودهم، وقوادهم، والمعلمون منهم، والمتعلمون، والتجار، والعبّاد، والنّاسكون، فكان الإخلاص رائدهم، وهداية الخلق أملهم، وإصلاح البشر غرضهم، فالصّحابة هداة حيثما حلّوا، وعاملون لإصلاح المجتمع البشري أينما ذهبوا. فإذا اختلفت
(١) هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي، المعروف «أبو الدرداء» صحابي من الحكماء الفرسان القضاة، وفي الحديث: «عويمر حكيم أمتي» و «نعم الفارس عويمر» وهو أحد الّذين جمعوا القرآن حفظا على عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، توفي بالشام سنة ٣٢ هـ، وله ١٧٩ حديثا مرويا.