للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ خصَّهما بالذِّكْرِ - والمراد جميع الحواس - لأنَّهما أشرفها، والاعتبار والاستدلال بمدركاتها أكثرُ، كما خصَّ الصَّلاة والزَّكاة في مواضعَ من القرآن بالذِّكْرِ والمراد جميع العبادات؛ لأنَّهما أصلها.

وتقديم ﴿السَّمْعَ﴾ لأنَّه أعمُّ نفعًا وأتمُّ، حيث يحصَّل به العلوم النَّقليَّة التي لا يتطرَّق فيها الغلط.

﴿وَالْأَفْئِدَةَ﴾؛ أي: أنعم عليكم بهذه الآلات والقِوَى لتدركوا بالحواسِّ والمشاعر (١) الجزئيات، وتتنبَّهوا بالأفئدة لكلِّياتها، فتحصل لكم العلوم البديهيَّة، وتقدروا على اكتساب النَّظريَّات بها.

والأفئدة من جموع القلَّة التي جرَتْ مجرى جموع الكثرة؛ إذ لم يَرِدْ في السَّماع غيرها.

﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: إرادةَ أنْ تشكروا نِعمَه الظَّاهرة والباطنة بالعمل بتلك العلوم، فترثوا العلوم الكشفيَّة، كما قال : "مَنْ عَمِلَ بما علم ورَّثه اللهُ تعالى علمَ ما لم يعلم" (٢)، فتكمُلوا وتَسْعَدوا.

وإنَّما ذكر (٣) آلة العلم في مقام الامتنان والحثَ على الشكر دون آلة القدرة


(١) "والمشاعر" من (م).
(٢) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١٠/ ١٥)، وقال: ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم ، فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي ، فوضع هذا الإسناد عليه لسهولته وقربه، وهذا الحديث لا يُحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل. ورواه الطبراني في "الأوسط" كما ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١/ ١٣٦) وقال: وفيه ياسين الزيات وهو منكر الحديث.
(٣) في (م): "ذكرت".