للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان حقُّ الكلام أن يُقال (١): أفمَن لا يخلق كمَن يخلق؛ لأنَّه إلزامٌ لعبدة الأوثان، لكنَّه عكس تفظيعًا لشأنهم، بأنَّهم لَمَّا سمَّوها باسمه، وعبدوها كعبادته، وسوَّوا بينه وبينها، فقد جعلوا الله تعالى من جنس هذه المخلوقات وشبيهًا بها، فأنكر ذلك عليهم.

وحذف مفعول ﴿يَخْلُقُ﴾ لأنَّ المراد نفسُ صدور الفعل منه؛ أي: أيكون الخالق شبيهًا بغير الخالق، أو للتَّعميم؛ أي: أفمَن يخلق كلَّ شيء كمَن لا يخلق شيئًا، أو لأنَّ ما عُدِّدَ من المخلوقات دلَّ عليه؛ أي: أفمَن يخلقُ ما عُدِّدَ من الأشياء العظيمة العجيبة كمَن لا يخلق شيئًا منها، أفلا تذكَّرون بعد هذه التَّنبيهات فتعرفوا فسادَ ذلك؛ فإنَّه لجلائه ووضوحه كالبديهيِّ المغفول عنه.

* * *

(١٨) - ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾: لا تبلغ طاقتكم ضبطَ عددها، فضلًا عن أن تطيقوا القيام بشكرها، أَتْبع ذلك تعداد النِّعم، وإلزام الحجَّة على انفرادها باستحقاق العبادة؛ تنبيهًا على أنَّ وراءَها مِنَ النِّعم ما لا ينحصر، وأنَّ القيامَ بحقِّ عبادته وشكره غير مقدورٍ لأحدٍ.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ حيث يغفر تقصيرَكم في أداءِ شكرها ويتجاوز عنه.

﴿رَحِيمٌ﴾ يقطعُها عنكم لتفريطكم، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها، وفيه إشعار بأنَّه تعالى ما كلَّفكم حقَّ الشُّكر؛ لعدم الإمكان، وتجاوَز عن الممكن إلى السَّهل الميسور.


(١) "أن يقال" ليست في (ف).