﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ بأنْ مكَّنكم من الانتفاع به بالرُّكوب والاصطياد والغَوص وغير ذلك.
﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هو الحوت، وإنَّما عبَّر عنه باللَّحم - وهو ما يُؤكَل من الحيوان - تنبيهًا على جهة فضله وامتيازه عن سائر الحيوانات المأكولة، فإنَّها لا تكون لحمًا إلَّا بعد الذَّبح والسَّلخ، ولا يخفى لطف موقع هذا التَّنبيه، والتَّمهيد السَّابق بقوله:(مِن) حيث تضمَّن الإشعار بأنَّهم يبتدؤون أكلَه من البحر؛ مبالغةً في تهيئته للأكل في مقام الامتنان.
وفي تخصيص أكله ﴿طَرِيًّا﴾ بالذِّكر إشارةٌ إلى أنَّه في مَعْرِض أن يسرع إليه الفساد، لكمال لطافته، فيسارع إلى أكله، فكأنَّه قيل: لتأكلوا منه لحمًا في غاية اللَّطافة، وهذا من ألطف الكنايات التي قلَّما يُتنبَّه لها، ولا بدَّ مِنَ الحمل عليها؛ إذ على تقدير إبقائه على ظاهره يكون بيانًا للواقع، خاليًا عن فائدة الخبر ولازمها.
روي أنَّ أبا حنيفة لَمَّا قال: لو حلفَ لا يأكل لحمًا فأكلَ لحمَ السَّمكِ لا يحنث؛ لأنَّ لحم السمك ليس بلحمٍ، سمعَ سفيان الثَّوري قوله، فأنكر عليه محتجًّا بهذه