للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنَّما قيل: إنَّها سُخِّرَتْ لكم باعتبار أنَّ فائدة تسخيرها عائدة إليكم، ومَن وهَم أن المعنى: مسخَّرات لِمَا خُلِقْنَ له، فقد وهِم؛ إذ حينئذٍ يكون إعادةً بلا فائدة.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ أتى هنا بصيغة الجمع لأنَّ وجه الدّلالات في السَّماوات متعدِّد.

﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ذكَرَ العقلَ لأنَّ الاحتياجَ إلى تجريد العقل الصَّرْف في الاستدلال بها أشدُّ؛ فإنَّ القوَّة الفكرية كافية في الاستدلال بما يشاهد من أحوال النَّبات وتغييراته واختلاف أشكاله وألوانه، وأما أحوال العلويَّات فلا بُدَّ فيها من مزيد عقلٍ ومعرفةٍ بالعلم الطَّبيعي والهيئة والهندسة، ومَنْ زعم (١) أنَّ وجه الدّلالة هنا مع تعددُّه أظهرُ من وجهها ثمَّة مع وحدته فقد كابرَ مقتضى العقل الصَّريح.

* * *

(١٣) - ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾.

﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾: من أنواع الحيوان والنَّبات والمعادن، في موضع نصبٍ بفعلٍ محذوفٍ، أي: وخلقَ وأنبتَ، كذا قال أبو البقاء، استبعدَ تسلُّط ﴿وَسَخَّرَ﴾ على ذلك؛ إذ حينئذ يلغو قوله: ﴿لَكُمُ﴾، فقدَّر فعلًا لائقًا (٢)، ومَنْ لم يتنبَّه لهذا قال: أي: سخَّر لكم ما خلق لكم فيها (٣).

﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾: أصنافُه، فإنَّها تتخالف باللَّون غالبًا.


(١) في (ف): "وهم".
(٢) انظر: "الإملاء" للعكبري (٢/ ٧٩١).
(٣) انظر: "تفسير البيضاوي" (٣/ ٢٢٢)، متابعًا في ذلك "الكشاف" (٢/ ٥٩٨).