للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية، فبعثَ إليه أبو حنيفة رجلًا سأله عمَّن حلف لا يصلي على البساط فصلَّى على الأرض، هل يحنث أم لا؟ فقال سفيان: لا يحنث، فقال الرَّجل (١) أليسَ إنَّ الله تعالى قال: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾ [نوح: ١٩]، فعرفَ سفيانُ أنَّ ذلك تلقينَ أبي حنيفة (٢).

وقيل في وجه قوله (٣): إنَّ مبنى الإيمان على العادة، وعادةُ النَّاس إذا ذُكِرَ اللَّحم على الإطلاق أن لا يُفهَم منه السَّمك، وإذا قال الرَّجل لغلامه: اشترِ بهذه الدَّراهم لحمًا، فجاء بالسَّمك كان حقيقًا بالإنكار.

وهذا معارَضٌ بأنَّه إذا قال لغلامه: اشترِ بهذه الدَّراهم (٤) لحمًا، فجاء بلحم العصفور، استحقَّ الإنكار أيضًا مع أنَّه يحنث بأكل لحم العصفور مَنْ حلَفَ لا يأكلُ اللَّحم.

لَمَّا أخرج من البحرِ الملحِ الزُّعاقِ الحيوانَ الذي لحمه في غاية العذوبة ونهاية اللَّطافة عُلِمَ أنَّه إنَّما حدث لا بحسب الطَّبع، بل بقدرة الله تعالى وحكمته، حين أظهر الضِّد من الضِّد.

﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً﴾ كاللُّؤلؤ والمرجان، فإنَّ الحليةَ اسم لِمَا يُتَحلَّى به، وزيادة حرف التَّنفيس (٥) هنا للدّلالة على أنَّ إخراجها بمشقَّة تقتضي المهلة.


(١) "الرجل" من (م).
(٢) انظر: "تفسير الرازي" (٢٠/ ٦).
(٣) أي: في تعليل قول أبي حنيفة بعدم الحنث، وصاحب هذا القيل هو الزمخشري. انظر: "الكشاف" (٦/ ٢).
(٤) في (م): "بهذا الدرهم".
(٥) حرف التنفيس: أي: السين، وحرفا التنفيس هما السين وسوف، وإنما سميتا به لأنَّ التَّنفيسَ التَّأخيرُ، =