للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولو لا الوفاقُ على الوقف على ﴿سَمْعِهِمْ﴾ لجازَ أنْ يكون (غشاوةً) اسمًا وُضِعَ موضعَ مصدرٍ من معنى ﴿خَتَمَ﴾ (١)؛ لأنَّ معنى (خَتَم): غشَّى وسَتَر، كأنه قيل: تغشيَةً، على سبيل التأكيدِ، وتكونُ قلوبُهم وسمعُهم وأبصارُهم مختومًا عليها مغشَّاةً.

ولمَّا كان الختْم والتّغشيةُ مسبَّبًا ممَّا (٢) اقترَفوه، ناسبَ تعقيْبَهُ بوعيدٍ وبيانٍ لِمَا يستحقُّونه، لا على وجْهِ التقْريعِ كيْلا يُتوهَّمَ أنَّ ما سبَق من الختْم والتَّغشيةِ سببٌ لذلكَ فقيلَ:

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ اللَّامُ الجارَّةُ إذا اتَّصلتْ بالضمير غيرِ الياءِ بُنيتْ على النَّصب، والعذابُ: كلُّ ما يمنعُ من المطلوب، يُقال (٣): عَذِبَ الرجلُ وعَذَبَ: لم يأكل غيرَ صائمٍ.

والعِظَمُ: شِدَّةُ القوَّةِ، ومنه العَظْم، أو الزائدُ القَدْرِ، وذلك في الدنيا الإسَار، وفي العُقبى النَّارُ.

والمعنى: أنَّ تلكَ الطائفةَ مخصوصةٌ من بينِ الطَّوائف بنوع من العذاب، على أنَّ التَّنوينَ للتنويع كما في (غِشاوة)؛ أي: نوعٌ من العذاب لا يتعارَفُه النَّاسُ، وفائدتُه التَّهويلُ، وتوصيْفُه بالعظيم تأكيدٌ له، وترْكهُ في الغِشاوة تنْبيهًا على الفرق بين مَقامي التَّهويل، فإنَّ الأوَّلَ في أحوال الدُّنيا، والثاني في أحوال الآخرة، وكم بيْنَ الحالين وما فيهِما مِن الهَولَينِ.


(١) في "ك": (الختم).
(٢) في "ح ": (سببا مما)، وفي "م": (سببا فيما).
(٣) في "م" و"ك": (ويقال).