للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا ذِكْره في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾ فليسَ بإعادة؛ لأنَّه متعلِّقٌ بما بعدَه، فإنَّ الأبصارَ داخلةٌ في حُكمِ التَّغشيةِ دونَ الختْم بخلافِ الأسماعِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣] وللوفاقِ على الوقف على ﴿سَمْعِهِمْ﴾ دونَ ﴿قُلُوبِهِمْ﴾، ولأنَّ التَّغشيةَ ليستْ بمانعةٍ للسامعةِ عن الإدراك بخلاف الباصِرةِ.

﴿غِشَاوَةً﴾ رفعٌ على الابتداء، وتقديمُ الخبرِ للاهتمامِ، فإنَّ المقصودَ بالإخبارِ كونُها على الأبصارِ، والعدولُ إلى الاسميَّةِ لإفادةِ الدَّوامِ والثبوتِ تقويةً لحُكم التَّغشيةِ، وجبْرًا لِنُقصانهِ عن حُكم الختْمِ.

وقُرئ بالنَّصب (١) عَطفًا على المختوم من باب الاستغناءِ بأحدِ (٢) الفِعلينِ عن الآخرِ، فإنَّ العربَ إذا اجتمعَ فعلانِ متقاربانِ في المعنى، ولكلِّ واحدٍ متعلَّقٌ على حِدَةٍ، جوَّزتْ ذِكْرَ أحدِهما وعطفَ متعلَّقِ الآخرِ المتروكِ على المذكور؛ كقوله:

متقلِّدًا سيْفًا ورُمحًا (٣)

والمصيرُ إلى تقدير فعل أو الحذفِ والإيصالِ في مثل هذا مِن ضِيْق العَطَن.


(١) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٢).
(٢) في "ح " و"ف": (استغناء أحد).
(٣) أي: وحاملا رمحًا. وهذا عجز بيت كثير الدوران في كتب التفسير والنحو للاستدلال على هذه المسألة، وقائله عبد الله بن الزبعرى، وهو في ديوانه (ص: ٣٢)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة (٢/ ٦٨)، و"الخصائص" لابن جني (٢/ ٤٣١)، وغيرها، وصدره:
يا ليت زوجك قد غدا