﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ (الناس) أصله: أُناسٌ جمعُ: إنسان، ولذلكَ لا يُستعمل إلَّا في معنى جماعةٍ، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]، وقوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: ٦٠]، وقوله: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، فحُذفت الهمزةُ وعُوِّض عنها حرفُ التَّعريفِ، وهي هنا للعهد.
و (مَن) في قوله تعالى: ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ موصولةٌ، والقولُ عبارةٌ عن جملةِ ما يتكلَّم به المتكلِّمُ على وجه الحكايةِ، وَحَّدَ (يقول) نظرًا إلى لفظ: (مَن)، وجَمعَ (مَن) نظرًا إلى معناها؛ اعتُبرت جهةُ وحدتِه عند ذِكْر مقالِهم، وجهةُ تعدُّده عند بيانِ أحوالِهم، إشارةً إلى أنَّهم وإنْ كانوا متفرِّقينَ على عقائدَ شتَّى في الكُفر الباطنِ، لكنَّهم مجتمعون على كلمة واحدةٍ في إظهار النِّفاقِ.
خَصَّ هذا الصنفَ مِن بينِ الأصناف بمبالَغات وتشديداتٍ، وأبرزَ نظْمَ قصَّتِهم إبرازًا غريبًا حيثُ قدَّم الخبرَ على المبتدأ، وأبهَمهُ غايةَ الإبهام، ووصفَه بصفاتٍ عجيبةٍ؛ ليتشوَّقَ السَّامعُ إلى ذِكْر ما بعدَه مِن قبائِحهم، ونكَّرهم نعْيًا عليهم وتعجيبًا من شأنهم، يعني: انظُروا إلى هؤلاء الخَبَثةِ وقبيحِ ما ارتكبوه، كيفَ اختصُّوا مِن بينِ سائرِ النَّاس بِما لم يرضَ العاقلُ أنْ يَنْتسبَ (١) إليه.
ولمَّا كانت فائدةُ الإخبارِ بكونهِم مِن بعض النَّاسِ استعظامَ أنْ يكونَ من جنسهِ مَن اختصَّ بمثلِ هذه الصفاتِ، فإنَّها تُنافي الإنسانيةَ بحيثُ كان ينبغي أنْ لا