للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكون لقدرته الكاسبة مدخلًا فيه (١)، ومَن قال (٢): وهذا دليل على أنَّ الإنسان هو الذي يختار الشَّقاوة والسَّعادة ويحصِّلهما لنفسه، وليس من الله إلَّا التَّمكين، ولا من الشَّيطان إلَّا التَّزيين، ولو كان الأمر كما تزعم المجبِرة (٣) لقال: فلا تلوموني ولا أنفسَكم فإنَّ الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه= فقد خلَّط في كلامه، وخَبط في تمشية مرامه؛ فإنَّ ما ذكره أوَّلًا يساعده (٤) فيه أهل الحقِّ، وما ذكره ثانيًا وهو مذهب الباطل لا يساعده الشَّيطان أيضًا، وقد نبَّهْت فيما سبق على أنَّه لا دلالة في كلامه عليه، وما ذكره أخيرًا إنَّما يتَّجه على الجبريَّة، لا على أهل الحقِّ القائلين: لا جبرَ ولا تفويضَ، بل أمرٌ بين ذلكَ.

﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾: بمغيثِكم من العذاب ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾: بمغيثيَّ منه.

وقرئ بكسر الياء (٥)، وقد طعن ناسٌ فيه، ولا ينبغي أن يُلتَفَتْ إليه؛ لأنَّها قراءةٌ متواترة، نقلَها السَّلف واقتفى آثارَهم الخلف، وقد نصَّ قُطْربٌ (٦) على أنَّه لغةُ بني يربوع.


(١) أي: في فعله. انظر: "تفسير البيضاوي" (٣/ ١٩٧)، وفيه: (واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله، وليس فيها ما يدل عليه، إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا).
(٢) هو الزمخشري في "الكشاف" (٢/ ٥٥٠).
(٣) يعني: أهل السنة الملقبين عند الزمخشري بالمجبرة، وهو مبني على عدم الفرق عنده بين مذهبهم وبين مسلك المجبرة في الحقيقة. انظر: "روح المعاني" (١٣/ ٢٦٤). وسيأتي التفريق بينهما قريبًا.
(٤) في (ف): "ساعده".
(٥) قرأ بها حمزة. انظر: "التيسير" (٢: ١٣٤).
(٦) انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب (١/ ٤٠٤)، و"تفسير القرطبي" (١٢/ ١٣٠)، وحاشية الطيبي على "الكشاف" المسماة: "فتوح الغيب" (١٠/ ١٥١).