للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾: إلَّا دعائي إيَّاكم إلى الضَّلالة بوسوستي وتسويلي، وهذا الاستثناء على طريقة قوله:

تحيَّةُ بينِهم ضربٌ وَجيعٌ (١)

لأنَّ الدُّعاء ليس من جنس السُّلطان، بل المرادُ نفي السُّلطان على آكَدِ الوجوه، كأنَّه قال: إنْ كانَ مجرَّد الدُّعاء سلطانًا كانَ لي عليكم سلطان.

﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾: أسرعتُم إجابتي ﴿فَلَا تَلُومُونِي﴾ بوسوستي وإضلالي.

وقرئ: (فلا يلوموني) (٢)، على طريقة الالتفات، كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢].

﴿وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ حيث اغتررتم بمجرَّد دعائي بلا حجَّة ودليل، فأطعتموني ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم على حُجَجٍ وبيِّنات.

لم يُرِد أنَّه (٣) لا يستحقُّ الملامَة، بل يقول: لومُكم أنفسكم أولى بكم؛ إذ أنتم أهلكتم أنفسكم بإجابتكم لي طوعًا.

ولا دلالة فيه على استقلال العبد في أفعاله؛ إذ يكفي في استحقاقه الملامةَ أن


(١) عجز بيت لعمرو بن معدي كرب، كما في "النوادر" لأبي زيد (ص: ١٥٠). وهو كثير الدوران في التفاسير والحواشي التي تعنى بالمعاني كـ"الكشاف" و"المحرر الوجيز" و"البحر"، و"فتوح الغيب" و"نواهد الأبكار" و"حاشية الشهاب"، و"روح المعاني"، وصدره:
وخيلٍ قد دلفتُ لها بخيل
(٢) نسبت لمبشر بن عبيد. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٦٨).
(٣) في (ف): "لأنَّه".