للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض، يعني: بما ليس بشيء؛ لأن ما لا يعلمه عالم الغيب والشهادة لا وجود له؛ كقوله: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٨]، والهمزة المضمَّنة فيها تدل على التوبيخ، وتقريرِ أنهم يريدون أن ينبِّئوا عالم السر والخفيَّات بما لا يَعلم، وهذا محالٌ على محالٍ، ثم أضرب عن ذلك، وقال: قد بين (١) الشمس لذي عينين، وما تلك التسميةُ إلا بظاهر من القول من غير أن يكون تحته طائل، وما هو إلا مجردُ صوت فارغ.

﴿أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ﴾، أي: بل أتسمُّونهم شركاء بمجرد ظاهر القول، وإطلاقِ لفظة الشركاء أو الآلهة من غير أن يكون لذلك معنًى وحقيقةٌ من الألوهية والمشارَكة؛ كقوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ [يوسف: ٤٠].

وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها منادٍ على نفسه بلسانٍ طَلْقٍ ذَلِقٍ أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأَنصف من نفسه، ومَن زاد على هذا قولَه: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] فقد أتى بكلمة حقٍّ أريد بها باطل يدندن بها مَن هو عن حلية (٢) الإنصاف عاطل (٣).


(١) في (ف): "تبين".
(٢) في (م): "حيلة".
(٣) يعرض بالزمخشري في قوله: وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه، فتبارك اللّه أحسن الخالقين. وتعقبه ابن المنير بقوله: هذه الخاتمة كلمة حق أراد بها باطلًا؛ لأنَّه يعرض فيها بخلق القرآن فتنبه لها، وما أسرع المطالع لهذا الفصل أن يمر على لسانه وقلبه ويستحسنه وهو غافل عما تحته، لولا هذا التنبيه والإيقاظ، والله أعلم. انظر: "الكشاف" (٢/ ٥٣٢).