للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجُرُفُ الوادي: جانبه الذي جَرَف أصلَه السُّيولُ وتحفَّر بالمياه فبقي واهيًا، من الجَرْف، وهو انقلاع الشَّيء من أصله.

والهاري (١): الهائر، وهو المتصدِّع الذي أَشْفَى على الهدم والسقوط.

لَمَّا استعار الجُرُف الهائر لمقابل التَّقوى من الباطل الذي هو الفجور والنِّفاق والضِّرار على أنه (٢) شبَّه الحق الذي هو التَّقوى بقاعدة محكمة قويَّة على طريق الاستعارة بالكناية، ولهذا نكَّر التَّقوى للتَّعظيم، ووصفها بكونها من الله تعالى، ثمَّ رشَّح الاستعارة بقوله:

﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ فإنَّ الجُرُف الهائر سهل الانهيار لخَوَره وقلَّة ثباته واستمساكه، وهو تصويرٌ لسرعة أداء الباطل إلى هُوِيِّ صاحبه في قعر جهنَّم كأنه بني على جُرُفِ وادٍ من أودية جهنم (٣) جرفَ أصلَه السيلُ.

ويُفهم منه أنَّ تأسيس الذي يقابله على أمر يحفظه عن النَّار ويوصله إلى الرِّضوان الذي أدنى مقتضياته الجنَّة، ولذلك عُطف الرِّضوانُ على التَّقوى، وجُعِلا كأنهما أمران متلازمان ونكِّرت التقوى (٤)؛ إشعارًا بأن تلازمهما بحيث كلُّ ما يلزم أحدهما يلزم الآخر.

ولا نرى أبلغ من هذا الكلام ولا أدلَّ على المقصود من المقام منه. وإنما لم يقل: (فوقع في نار جهنم)؛ لأنَّه ما دام حيًّا أمكنه أن يخلص فيتخلَّص ولا يقع فيها.


(١) في النسخ: "والهار"، والصواب المثبت.
(٢) قوله: "على أنه" كذا وقع في النسخ، ولعل الأحسن حذفه، أو أن في الكلام سقطًا، ويكون الكلام هكذا: (على أنه مَثَلٌ في قلة الثبات والاستمساك).
(٣) "كأنه بني على جرف واد من أودية جهنم" من (م).
(٤) "ونكرت كالتقوى" من (م).