للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سار الماوردي على هدى شيخه القاضي عبد الجبار في استعمال الدليلين العقلي والنقلي لإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، فضلا عن مناقشة هذه الأدلة «٥٦» ، إذ بين منحاه هذا بالمقدمة التي إفتتح بها كتابه قائلا: " الحمد الله الذي أحكم ما خلق وقدر وعدل فيها ودبر وأنذر بما أنشأ وأظهر واستأثر بما أخفى وأسر وأنعم بما امر وخطر، وأرشد إلى إنذاره بتفضيل ما تميز على ما كلف من أوان التعبد فيصل بالعقل إلى علمه واستعلامه إلى فهمه واستفهامه فيصير مهيئا لقبول ما كلف من التعارف ومعانا على ما تعبد به من الشرائع.. وهذا لا يستقر في النفوس إلا برسل مبلغين عن الله ثوابه في ما أمر وعقابه في ما حضر فوجب أن يوضح في إثبات النبوات ما ينتفي عنه ارتياب مغرور وشبهة معاند" «٥٧» .

بينت هذه المقدمة أن جل اعتماد الماوردي كان على الاستدلال العقلي في إثبات النبوات وبضمنها نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وهذا الأمر راجع إلى كون المعتزلة قد أولوا العقل مكانة مهمة في محاكمتهم للأفعال والحوادث والعقائد التي يجب على المسلمين التعبد بها، وهذا ما أشار إليه أحد الباحثين الذين درسوا هذه الصلة بالقول: " كانت الطبية النقدية التي اتسم بها فكر المعتزلة منذ تأسيساته الأولى هو السبب المباشر في انتهاج هذه الحركة الطريق العقلي، فإنه بالضرورة السبب الذي دعاه إلى استنباط الحجج العقلانية ومنطقية من خلال قراءتهم الفاحصة لأوراق الفلسفة اليونانية وبالقدر نفسه فانه لم يكن بوسع هؤلاء أن يقفوا على


(٥٦) ينظر، أعلام النبوة، مكتبة الكليات القاهرة، ١٩٧١، ص- ٢٢٣.
(٥٧) المصدر نفسه، ص ٧.

<<  <   >  >>