هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ، فَمِنْ جِهَةِ النَّقْلِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ. قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَنْقُولٌ مِنْ طُرُقٍ سِوَى هَذِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْعُدُولِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَان وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الضَّحِكِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ وَقَدْ رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْهَا حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَسْتَشْهِدُ» وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَهْلُ الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْإِمَامُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَحَدَّثَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى صَاحِبُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا قِطْعَةً مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الطَّوِيلِ الْمَشْهُورَ وَفِيهِ: «فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّةَ» وَرَوَاهُ أَعْلَمُ التَّابِعِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُ سَعِيدٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَعَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: «فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْك، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ عَظِيمَةٌ أَبْلَغُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: «فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ» ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: «فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ» وَقَوْلُهُ: «فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ يُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتَحَشُوا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute