للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي صِفَاتِ اللَّهِ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: قَالَ شَيْخُهُمْ أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ، أَنَّ عِلْمَ الْبَارِي تَعَالَى هُوَ هُوَ، وَكَذَلِكَ قُدْرَتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَحِكْمَتُهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَكَانَ يَزْعُمُ إذَا زَعَمَ أَنَّ الْبَارِيَ عَالِمٌ فَقَدْ أَثْبَتَ عِلْمًا هُوَ اللَّهُ وَنَفَى عَنْ اللَّهِ جَهْلًا وَدَلَّ عَلَى مَعْلُومٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ، وَإِذَا قَالَ إنَّ الْبَارِيَ قَادِرٌ فَقَدْ أَثْبَتَ قُدْرَةً هِيَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَى عَنْ اللَّهِ عَجْزًا وَدَلَّ عَلَى مَقْدُورٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ، وَكَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ صِفَاتِ الذَّاتِ عَلَى هَذَا التَّثْبِيتِ وَكَانَ إذَا قِيلَ لَهُ حَدِّثْنَا عَنْ عِلْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ اللَّهُ أَتَزْعُمُ أَنَّهُ قُدْرَتُهُ أَبَى ذَلِكَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ قُدْرَتِهِ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهَذَا نَظِيرُ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ قَوْلِ مُخَالِفِيهِ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يُقَالُ هُوَ اللَّهُ وَلَا يُقَالُ غَيْرُهُ، وَكَانَ إذَا قِيلَ لَهُ فَقُلْ إنَّ اللَّهَ عِلْمٌ نَاقِضٌ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ عِلْمُ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ. قَالَ وَكَانَ يَسْأَلُ فِيمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ طُولَ الشَّيْءِ هُوَ هُوَ: وَكَذَلِكَ عَرْضُهُ فَيَقُولُ إنَّ طُولَهُ هُوَ عَرْضُهُ. قَالَ وَهَذَا رَاجِعٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إنَّ عِلْمَ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ وَإِنَّ قُدْرَتَهُ هِيَ هُوَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِلْمُهُ هُوَ هُوَ وَقُدْرَتُهُ هِيَ هُوَ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ هُوَ قُدْرَتُهُ وَالْإِلْزَامُ التَّنَاقُضُ، قَالَ: وَهَذَا أَخَذَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ عَنْ أَرِسْطَاطَالِيسَ وَذَلِكَ أَنَّ أَرِسْطَاطَالِيسَ قَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ إنَّ الْبَارِيَ عِلْمٌ كُلُّهُ قُدْرَةٌ كُلُّهُ حَيَاةٌ كُلُّهُ سَمْعٌ كُلُّهُ بَصَرٌ كُلُّهُ فَحُسْنُ اللَّفْظِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَقَالَ عِلْمُهُ هُوَ هُوَ.

قُلْت: هُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَقْلَ وَالْعَاقِلَ وَالْمَعْقُولَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ الْعِنَايَةُ.

قُلْت: فَهَذِهِ نُقُولُ أَهْلِ الْكَلَامِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الصِّفَةَ هِيَ الْمَوْصُوفَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ فَهُوَ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُمْ إنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ.

وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْإِثْبَاتُ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ النَّقْلِ عَنْهُمْ، وَأَمَّا إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الصِّفَةَ بَعْضُ الْمَوْصُوفِ أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهُ فَقَدْ قَالَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَفُرْسَانِهِمْ، وَإِذَا حَقَّقَ الْأَمْرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمُنَازَعَاتِ لَمْ يَجِدْ الْعَاقِلُ السَّلِيمُ الْعَقْلَ مَا يُخَالِفُ ضَرُورَةَ الْعَقْلِ لِغَيْرِ غَرَضٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَازَعَاتِ يَكُونُ لَفْظِيًّا أَوْ اعْتِبَارِيًّا فَمَنْ قَالَ إنَّ الْأَعْرَاضَ بَعْضُ الْجِسْمِ أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُهُ يَعُودُ النِّزَاعُ بَيْنَ مُحَقِّقِيهِمْ إلَى لَفْظٍ وَاعْتِبَارٍ وَاخْتِلَافِ اصْطِلَاحٍ فِي مُسَمَّى بَعْضٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي بَيَانِ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ وَيُسَمَّى أَيْضًا تَخْلِيصُ التَّلْبِيسِ مِنْ كِتَابِ التَّأْسِيسِ الَّذِي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>