للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ كَمَا أَوْجَبَ غَسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، أَمْكَنَ أَنْ يَغْسِلَ مَا ظَهَرَ، وَيَمْسَحَ مَا بَطَنَ، كَمَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْجَبِيرَةِ، فَإِنَّهُ إذَا رَبَطَهَا عَلَى بَعْضِ مَكَانِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَغَسَلَ أَوْ مَسَحَ مَا بَيْنَهُمَا، فَجَمَعَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ سُقُوطَ غَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ لَمْ يُمْكِنْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، بَلْ لِأَنَّ مَسْحَ ظَهْرِ الْخُفِّ وَلَوْ خَطَأً بِالْأَصَابِعِ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ الْقَدَمِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، لَا مَا ظَهَرَ وَلَا مَا بَطَنَ، كَمَا أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِأُمَّتِهِ، إذْ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ أَنْ لَا يَنْزِعُوا خِفَافَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، لَا مِنْ غَائِطٍ، وَلَا بَوْلٍ، وَلَا نَوْمٍ فَأَيُّ خُفٍّ كَانَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، دَخَلَ فِي مُطْلَقِ النَّصِّ.

كَمَا أَنَّ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِذَلِكَ لَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ قَدْ شُرِعَتْ رُخْصَةُ الْبَدَلِ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ لَا فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْإِزَارَ، وَلَا فِي لُبْسِ الْخُفِّ مُطْلَقًا، ثُمَّ إنَّهُ فِي عَرَفَاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ» . هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ جَابِرٌ، وَحَدِيثُهُ فِي مُسْلِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>