للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمَسْحِ عَلَيْهَا ضَيَّقُوا تَضْيِيقًا يَظْهَرُ خِلَافُهُ لِلشَّرِيعَةِ بِلَا حُجَّةٍ مَعَهُمْ أَصْلًا.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ حَتَّى يَقُولُوا فَرْضُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ قَالُوا هَذَا يُعْفَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ضَابِطٌ فِيمَا يُمْنَعُ وَفِيمَا لَا يُمْنَعُ. وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمْ " إذَا ظَهَرَ بَعْضُ الْقَدَمِ " إنْ أَرَادُوا ظُهُورَهُ لِلْبَصَرِ فَأَبْصَارُ النَّاسِ مَعَ اخْتِلَافِ إدْرَاكِهَا قَدْ يَظْهَرُ لَهَا مِنْ الْقَدَمِ مَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، فَإِنْ أَرَادُوا مَا يَظْهَرُ وَيُمْكِنُ مَسُّهُ بِالْيَدِ، فَقَدْ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِلَا مَسٍّ. وَإِنْ قَالُوا مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، فَالْإِمْكَانُ يَخْتَلِفُ: قَدْ يُمْكِنُ مَعَ الْجُرْحِ، وَلَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ، فَإِنَّ سَمَّ الْخِيَاطِ يُمْكِنُ غَسْلُهُ إذَا وَضَعَ الْقَدَمَ فِي مَغْمَزِهِ، وَصَبَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَاءُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَتَيَقَّنُ وُصُولَ الْمَاءِ عَلَيْهِ إلَّا بِخَضْخَضَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ كَمَا يَغْسِلُ الْقَدَمَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَقْوَى، فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ إذَا لُبِسَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ مَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ ذَلِكَ. وَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ مَعَ ذَلِكَ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمَمْسُوحِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَأَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِبُّهُ أَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اللِّبَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، سَوَاءٌ سَتَرَ جَمِيعَ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ لَمْ يَسْتُرْهُ، وَالْخِفَافُ قَدْ اُعْتِيدَ فِيهَا أَنْ تُلْبَسَ مَعَ الْفَتْقِ، وَالْخَرْقِ، وَظُهُورِ بَعْضِ الرِّجْلِ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِخُفٍّ أَصْلًا، وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّعْلَيْنِ فِي أَظْهَرْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَتَبَيَّنَ نَسْخُ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ حِينَ لَمْ يَشْرَعْ الْبَدَلَ أَيْضًا. فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ دَلِيلِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، مَمْنُوعٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ غَسْلُ بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِكَوْنِ الْبَاقِي جَرِيحًا، أَوْ لِكَوْنِ الْمَاءِ قَلِيلًا.

وَيَجْمَعُ بَيْنَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ مَعَ الْعِمَامَةِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ تَبُوكَ، فَلَوْ قَدَّرَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>