للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَادَ اللَّهُ لِيُوسُفَ بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ أَيْدِي إخْوَتِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوا يُوسُفَ مِنْ يَدِ أَبِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.

وَكَيْدُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَخْرُجُ عَنْ نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْأَغْلَبُ أَنْ يَفْعَلَ سُبْحَانَهُ فِعْلًا خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ الْعَبْدِ الَّذِي كَادَ لَهُ فَيَكُونَ الْفِعْلُ قَدَرًا مَحْضًا لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الشَّرْعِ كَمَا كَادَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنْ انْتَقَمَ مِنْهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ.

وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِصَّةُ يُوسُفَ فَإِنَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مَا قَدَرَ أَنْ يَفْعَلَ أَنْ أَلْقَى الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِسَرِقَتِهِمْ فَلَمَّا أَنْكَرُوا {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: ٧٤] أَيْ جَزَاءُ السَّارِقِ {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٥] أَيْ جَزَاؤُهُ نَفْسُ نَفْسِ السَّارِقِ يَسْتَعْبِدُهُ الْمَسْرُوقَ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مُدَّةٍ وَهَذِهِ كَانَتْ شَرِيعَةَ آلِ يَعْقُوبَ، وَقَوْلُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ جَزَاؤُهُ جُمْلَةٌ ثَانِيَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى. وَالتَّقْدِيرُ فِي جَزَاءِ هَذَا الْفِعْلِ نَفْسُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْجَزَاءُ فِي دِينِنَا كَذَلِكَ يَجْزِي الظَّالِمِينَ. وَالثَّانِي:

أَنَّ قَوْلَهُ {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٥] جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ هِيَ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَالتَّقْدِيرُ جَزَاءُ السَّارِقِ هُوَ أَنَّهُ مَنْ وُجِدَ الصَّاعُ فِي رَحْلِهِ كَانَ هُوَ الْجَزَاءَ كَمَا تَقُولُ جَزَاءُ السَّرِقَةِ مِمَّنْ سَرَقَ قَطْعُ يَدِهِ -، وَإِنَّمَا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ قَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْعُقُوبَةِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْأَلَمِ الْوَاصِلِ إلَى الْمُعَاقَبِ فَكُلَّمَا تَكَلَّمُوا بِهَذَا الْكَلَامِ كَانَ إلْهَامُ اللَّهِ لَهُمْ هَذَا كَيْدًا لِيُوسُفَ خَارِجًا عَنْ قُدْرَتِهِ، إذْ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا الْإِجْزَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَرَقَ فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِ فِي رَحْلِهِ لَا يُوجِبُ حُكْمَ السَّارِقِ وَقَدْ كَانَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَادِلًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ أَوْ يَقُولُونَ جَزَاؤُهُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا تَفْعَلُونَ بِالسُّرَّاقِ فِي دِينِكُمْ وَقَدْ كَانَ مِنْ دِينِ مَلِكِ مِصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ السَّارِقَ يُضْرَبُ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا لَا يُلْزِمُهُ غَيْرَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: ٧٦] أَيْ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ فِي دِينِ مَلِكِ مِصْرَ لِأَنَّ دِينَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَرِيقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>