للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوُقُوعِهِ جَزَاءً لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] سَمَّى الثَّانِيَ سَيِّئَةً وَهُوَ بِحَقٍّ لِمُقَابَلَتِهِ لِلسَّيِّئَةِ، وَقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] سَمَّى الْأَوَّلَ عُقُوبَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ الْأَوَّلِينَ عُقُوبَةٌ لِمُقَابَلَتِهِ لِلْفِعْلِ الثَّانِي وَجَعَلُوا هَذَا نَوْعًا مِنْ الْمَجَازِ - وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ أَصْوَبُ بَلْ تَسْمِيَتُهُ مَكْرًا وَكَيْدًا وَاسْتِهْزَاءً وَسَيِّئَةً وَعُقُوبَةً عَلَى بَابِهِ فَإِنَّ الْمَكْرَ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقٍ خَفِيٍّ وَكَذَلِكَ الْكَيْدُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الشَّرَّ كَانَ مَكْرًا حَسَنًا، وَإِلَّا كَانَ مَكْرًا سَيِّئًا. بَلْ إنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرُّ الْوَاصِلُ حَقًّا لِمَظْلُومٍ كَانَ ذَلِكَ الْمَكْرُ وَاجِبًا فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخَلْقِ وَوَاجِبًا مِنْ اللَّهِ بِحُكْمِ الْوَعْدِ إنْ لَمْ يَعْفُ الْمُسْتَحِقُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَمْكُرُ وَيَسْتَهْزِئُ بِمَنْ يَسْتَوْجِبُ ذَلِكَ فَيَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ الظَّالِمُ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَالسَّيِّئَةُ مَا تَسُوءُ صَاحِبَهَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَالْعُقُوبَةُ مَا عُوقِبَ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ: فَيُوسُفُ الصِّدِّيقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَدْ كِيدَ غَيْرَ مَرَّةٍ. أَوَّلُهَا:

أَنَّ إخْوَتَهُ كَادُوا لَهُ كَيْدًا حَيْثُ احْتَالُوا فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: ٥] .

ثُمَّ إنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ كَادَتْ لَهُ بِأَنْ أَظْهَرَتْ أَنَّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا وَكَانَتْ هِيَ الْمُرَاوِدَةَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: ٢٨] .

ثُمَّ كَادَ لَهُ النِّسْوَةُ حَتَّى اسْتَجَارَ بِاَللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ - فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٣ - ٣٤] حَتَّى إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَمَّا جَاءَهُ رَسُولُ الْمَلِكِ يَسْتَخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>