أَنْوَاعِهِ -، ثُمَّ لَوْ كَانَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ تَيْسِيرَ عَوْدِهَا إلَى الْأَوَّلِ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُحْوِجْهُ إلَى هَذَا الْعَنَاءِ فَإِنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ - وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فَالْمُطَلِّقُ هُوَ الَّذِي جَلَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] .
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا سَأَلُوا عَنْ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا فَقَالُوا: لَوْ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا جَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ ضَرَرًا مِثْلَ قَتْلٍ، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عُقُوبَةً مُطْلَقَةً، أَوْ عُقُوبَةً مَحْدُودَةً لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَالُ فِي إسْقَاطِ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ لَمْ يَكُنْ إلَى رَفْعِهَا سَبِيلٌ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَبِهِ شَبَقٌ وَهُوَ لَا يَجِدُ رَقَبَةً لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا حَتَّى يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، فَإِنَّمَا يَسْعَى الْإِنْسَانُ فِي مَصْلَحَةِ أَخِيهِ بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَأَبَاحَهُ وَأَمَّا مُسَاعَدَتُهُ عَلَى أَغْرَاضِهِ مَا كَرِهَهُ اللَّهُ فَهُوَ إضْرَارٌ بِهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمَا هَذِهِ إلَّا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ مَنْ يَهْوَى امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَى نَيْلِ غَرَضِهِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي لُزُومِ التَّقْوَى وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ السَّبْتِ اسْتَحَلُّوا مَا اسْتَحَلُّوا لَمَّا قَامَتْ فِي نُفُوسِهِمْ هَذِهِ الشَّهَوَاتُ وَالشُّبُهَاتُ وَلَعَلَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اتَّقَيَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ لِعَامَّةِ الْمُتَّقِينَ.
وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّحْلِيلِ الْمَكْتُومِ وَهُوَ الَّذِي حُكِيَ وُقُوعُ الشُّبْهَةِ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ وَتَوَاطَآ عَلَيْهِ فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَبِهَذَا الْكَلَامِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ الْحِيَلِ مُلْحَقٌ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا لَكِنَّ الْأَوَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْتَالِ بِهِ، وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ لَوْ فُرِضَ تَجَرُّدُهُ عَنْ الْآخَرِ وَهُنَا إنَّمَا صَارَ الْمُحْتَالُ بِهِ مُحَرَّمًا لِاقْتِرَانِهِ بِالْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ جَرَّدَ النِّكَاحَ مَثَلًا عَنْ هَذَا الْقَصْدِ لَكَانَ حَلَالًا وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَوْ حَصَلَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ لَهُ مُجَرَّدًا عَنْ الِاحْتِيَالِ لَكَانَ مُبَاحًا، ثُمَّ هَذَا الْقِسْمُ فِيهِ أَنْوَاعٌ.
أَحَدُهَا:
الِاحْتِيَالُ لِحِلِّ مَا هُوَ يَحْرُمُ فِي الْحَالِ كَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute