وَالْإِيضَاحَ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا فَلِهَذَا امْتَنَعَ أَنْ يَقْصِدَ بِمِلْكِهَا الِانْتِفَاعَ بِتَلَفِ عَيْنِهَا، أَوْ بِبَذْلِ الْعَيْنِ، وَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَصْدُ الْفَسْخِ فِي الْعَقْدِ مُحَالٌ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ إلَّا قَصْدُ الِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.
وَقَوْلُهُمْ:
إنَّ قَصْدَ تَرَاجُعِهِمَا قَصْدٌ صَالِحٌ لِمَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ.
قُلْنَا: هَذِهِ مُنَاسَبَةٌ شَهِدَ لَهَا الشَّارِعُ بِالْإِلْغَاءِ وَالْإِهْدَارِ وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ وَالتَّعْلِيلِ هُوَ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَالْمَصَالِحُ وَالْمُنَاسَبَاتُ الَّتِي جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِمَا يُخَالِفُهَا إذَا اُعْتُبِرَتْ فَهِيَ مُرَاغِمَةٌ بَيِّنَةٌ لِلشَّارِعِ مَصْدَرُهَا عَدَمُ مُلَاحَظَةِ حِكْمَةِ التَّحْرِيمِ، وَمَوْرِدُهَا عَدَمُ مُقَابَلَتِهِ بِالرِّضَى وَالتَّسْلِيمِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا تَكُونُ مَصَالِحَ، وَإِنْ ظَنَّهَا مَصَالِحَ، وَلَا تَكُونُ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ، وَإِنْ اعْتَقَدَهَا مُعْتَقِدٌ مُنَاسِبَةً بَلْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ خِلَافَ مَا رَآهُ هَذَا الْقَاصِرُ فِي نَظَرِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا ظَهَرَ لَهُ حُسْنُهُ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ، وَتَحْكِيمُ عِلْمِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فَإِنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصَلَاحَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ قَدْ حَرَّمَ هَذِهِ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النِّكَاحَ الْحَسَنَ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي حِلِّهِ هُوَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مُتَشَوِّقًا إلَى رَدِّ هَذِهِ إلَى زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ يُيَسِّرُهُ لَيْسَ لِلْخَلْقِ فِيهِ صُنْعٌ وَقَصْدٌ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْنًى مَطْلُوبًا لَسَنَّهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَنَدَبَ إلَيْهِ، كَمَا نَدَبَ إلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَكَمَا كَرِهَ الِاخْتِلَاعَ وَالطَّلَاقَ الْمُوجِبَ لِزَوَالِ الْأُلْفَةِ، وَقَدْ قَالَ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَلَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُبَاعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ تَرَكَتْكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ» .
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَثْرَةَ وُقُوعِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ فَهَلَّا نَدَبَ إلَى التَّحْلِيلِ وَحَضَّ عَلَيْهِ كَمَا حَضَّ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَلَمَا زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَعَنُوا فَاعِلَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ نَوْعٍ وَلَا نَدْبٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute