الصدقة
تتميز الصدقة عن باقي الهبات: أن نية المتصدق تتجه نحو القربى إلى الله عز وجل ونيل ثواب الآخرة , ولذلك يطلب من المتصدق أن تظل العلاقة في نطاق السرية بين الله عز وجل وعبده.
يقول الله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: ٢٧١) .
ويحث الإسلام على صدقة التطوع يقول الله سبحانه وتعالى:
{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم} (الحديد: ١١) .
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال التي دفعت صدقة بالأموال المملوكة للمتصدق , بينما سمى الأموال التي تبقى خارج نطاق الصدقة بأموال الورثة , وحذر المسلم أن يفقد توازنه فيحب مال الورثة أكثر مما يحب ماله هو: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله , ما منا أحد إلا ماله أحب إليه , قال: فإن ماله ما قدم , ومال وارثه ما أخر. صحيح البخاري
وتكون القربى إلى الله مضاعفة إذا كانت الصدقة على الأقارب. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة , وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة. سنن الترمذي
ويشترط لثبات أجر الصدقة ألا تكون فيها منة على المتصدق عليه , ولا إذاية بقول أو تعريض.
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (البقرة: ٢٦٤) .
وقد جعل الإسلام الاستفادة من الصدقة مشروطة بعجز المستفيد عن العمل , أو بعجزه عن كفايته , لظروف تخرج عن إرادته.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغني , ولا لذي مرة سوي (أي القوي السليم الأعضاء والعقل) . سنن الترمذي
الهدية
إن صفة الإكرام لشخص المهدى إليه هي التي تميز الهدية عن هبات أخرى مشابهة.
فالهدية هي هبة يقصد بها إكرام الشخص إما محبة له , وإما لصداقة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تزدادوا حبا. نيل الأوطار (ج ٥ ص ٣٩٠)
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية مهما كان مقدارها ومهما كان نوعها حرصا على تنمية روح التواصل الاجتماعي.
وقد خاطب صلى الله عليه وسلم مؤمنات النساء فقال: يا نساء المسلمات , لا تحقرن إحداكن أن تهدى لجارتها , ولو كراع شاة محرقا.
ويستحب المكافأة على الهدية
لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وفي لفظ ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليقابل الجميل بمثله حتى لا يكون لأحد عليه منة.
النحلة
استعمل المغاربة والأندلسيون اسم النحلة للهبة إذا كانت للأولاد.
ولا خلاف بين جمهور العلماء في أن التسوية في الهبة للأبناء مستحبة لما رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير قال:
تصدق أبي علي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا , قال: اتقوا الله , واعدلوا في أولادكم كما جاء قوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية , ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال رواه البيهقي.
وقد اختلف الفقهاء في حكم التسوية في الهبة للأولاد , هل هو الوجوب أم الندب؟
فقال جمهور العلماء: لا تجب التسوية بل تندب , ويصح تفضيل بعض الورثة ولكن مع الكراهة , وحملوا الأمر بالتسوية في الأحاديث على الندب.
وقال جماعة من الفقهاء (وهم الإمام أحمد والثوري وطاوس وإسحاق وبعض المالكية) : تجب التسوية بين الأولاد في الهبة , وتبطل الهبة مع عدم المساواة عملا بظاهر الأمر في الأحاديث الذي يقتضي الوجوب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وقوله اعدلوا بين أولادكم.
واختلف القائلون بالتسوية في الهبة للأولاد في كيفية ذلك. فقال بعضهم العدل أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب التوريث , وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وتكون الهبة لهما بالتسوية وهو ظاهر الأمر في الحديث.
هبة الثواب
هي هبة يشترط فيها الواهب: أن يحصل على عوض من الموهوب له , مقابل ما وهب له ; وهي جائزة لدى المذاهب الأربعة.
ومثال ذلك أن يقول الواهب: (وهبت لك هذا القلم على أن تعوضني هذا الثوب) .
ويعتبر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن هبة الثواب تكون بيعا , أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تحتاج لقبض الموهوب , وبذلك لا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويرى الحنفية أن هبة الثواب هبة ابتداء بيع انتهاء , أي أنه تتوفر فيها خصائص الهبة في البداية فتحتاج لقبض الموضوع لتصبح لازمة , وبعد القبض تتوفر فيها خصائص البيع من الرجوع بالعيب والاستحقاق وحق الشفعة فيما إذا كان الموهوب للثواب عقارا مشتركا ووهب أحد الشركاء نصيبه.
ويجب لدى الشافعية والحنفية والحنابلة أن يكون العوض في هبة الثواب معلوما كالعوض في البيوع , فإذا كان مجهولا , بطلت الهبة وكانت من نوع الجهالة في البيع بينما لا يشترط المالكية هذا الشرط , ويكتفون بدلالة العرف الذي يوجب عوض المثل , فدلالة العرف بمنزلة الشرط الصريح.
العمرى
العمرى هي نوع من الهبة , وهي أن يهب إنسان آخر شيئا مدى عمره كأن يقول مالك المال (وهو المعمر) للموهوب له (وهو المعمر) : هذا المال لك عمرك , أو مدة حياتك , أي أنه إذا مات الموهوب له عاد المال للواهب أو لورثته.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية أن العمرى تمليك للذات لا للمنفعة فهي من هبة العين لا من هبة المنافع لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر فكرة الاسترداد بعد وفاة المعمر له باطلة , فأثبت في العمرى ملك اليمين الدائم للمعمر له ما دام حيا ثم من بعده لورثته الذين يرثون أملاكه , إن كان له ورثة. فإن لم يكن له ورثة كانت لبيت المال , ولا يعود إلى المعمر شيء منها قط.
فعن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر عمرى فهي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه من بعده.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرى جائزة. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي سلمة عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: العمرى لمن وهبت له.
كما أنه قال صلى الله عليه وسلم أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
أما الإمام مالك فيرى: أن العمرى هي من قبيل هبة المنافع لا الرقبة وأن المعمر (الواهب) يسترد ماله عند نهاية الانتفاع بموت الموهوب له , أو بموت عقبه إذا كانت العمرى له ولعقبه.