والنصرانية في الأحكام الاعتقادية، أو معناه كان متشرعا بشريعة اليهود متبعا لها في الأحكام الفرعية؛ لأن الملل كلها أجمعت على اعتقاد توحيد الله عز وجل، ونفي الشريك عنه، وليس في ذلك خاصا بملة اليهود، والنصارى بوجه، وإنما تختص الملتان في الأحكام الفرعية فقط.
قال ابن عرفة: وكان بعضهم من يقتضي أزمنة البعدية، وكان يرد عليه بهذا، قاله المفسرون، قالوا: إن التوراة أنزلت بعد إبراهيم بألف سنة، والإنجيل أنزل بعده بألفين سنة، فلا يصح أن يكون نزل أول أزمنة البعدية، أو في أثنائها.
قوله تعالى:(أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
يجاب عليه بوجهين:
الأول: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأنه قصد الرد عليهم بالدلالة الأخروية التقديرية المجازية لَا بنفس الأمر الواقع في الوجود، أي يقولون: أنه يهودي، ومجرد إنزال التوراة بعده في أول زمن من أزمنة البعدية ينفي كونه كان يهوديا فكيف والواقع في الوجود أنها نزلت بعده بأزمنة متطاولة.
الجواب الثاني: قال بعض الطلبة لابن عرفة: إن إبراهيم بينه وبين موسى عليهما الصلاة والسلام أنبياء وشرائع كثيرة فالمراد بذلك أول الأزمنة الكائنة بعد انقضاء شريعته ونسخها بشريعة نبي آخر بعث بعده يليه، فرده ابن عرفة: بأنه إنما المراد وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده شخصه وذاته لَا من بعد شريعته وملته، فما الجواب إلا ما تقدم.
غلط ابن عطية: فقال: هؤلاء بدل أو صفة، وسكت عنه أبو حيان وهو خطأ صريح؛ لأن المضمر لَا ينعت، ولا ينعت به.
ابن عرفة: وهذا على سبيل التبكيت لهم والإبطال لدعواهم، كما يقول لمن يعلم أنه حاجج في مسألة بغير علم ها أنت حاججت في هذه المسألة بعلم ثم تعطف عليه، فتقول بل حاججت فيها بغير علم، وكما تقول لمن تعلم أنه لم يتصدق من ماله بشيء ها أنت تتصدق من مالك بشيء يدل لم يتصدق منه بشيء، وكان بعض الشيوخ يقول: