قوله تعالى:(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)، ثم بنعمة النفع بالتأمين من الخسف، ثم من إرسال الحاصب فهو ترقٍّ، لأن دفع المؤلم أكد من جلب الملائم.
قوله تعالى: {مَنْ فِي السَّمَاءِ ... (١٦)}
فيه وجهين:
إما أنه من مجاز الأسماء، والتقدير من [في*] السماء أمره، لكن يلزم عليه حذف بعض الصلة.
وإما من مجاز التمثيل، فيكون لفظ السماء كناية عن العلو، أي [أأمنتم*] من اتصف بالعلو والرفعة، أن يخسف بكم الأرض، وتأوله الزمخشري بوجهين:
أحدهما: هذا، والثاني: أنه خطاب للكفار على دعواهم واعتقادهم أنه في السماء، ورد بأنه تفريع على دعوى باطلة، ولا يصح التفريع على الدعوى الباطلة، إلا بعد بيان الدليل على بطلانها، والمذهب الحق عند الأصوليين: أن الله منزه عن الجهة والمكان، إذ لو كان متصفا بالمكان للزم عليه إما عدم حدوث العالم، أو حدوث الذات الكريمة، لأن المكان من جملة مخلوقاته، فلو كان [في*] مكان للزم قدمه، أو حدوث من حل فيه، وغلط عياض في الإكمال في حديث سودة لما قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإِنها مؤمنة، فذكر عياض فيه كلاما حاصله عدم تكفير من أثبت [الجهة*]، وهو باطل، وذكر مسلم حديث سودة في كتاب الصلاة، ولابن عبد البر فيه كلام باطل، وحكى القرطبي هنا قولا: أن المراد في الآية ملك العذاب، وهو جبريل، قال: قيل: إنه على حذف مضاف أي [أأمنتم*] خالق من في السماوات، وإفراد [السماء*] لأن المشاهد لنا سماء واحدة، ولأنه إذا حصل التخويف بمن في السماء، فأحرى أن يحصل بمن في الجميع، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، والمراد بالخسف، إما مكانهم، أو جميع الأرض، والمراد بالحاصب إنزال الحجر عليهم؛ [اهتماما لجهة الفوق*]، لأنها المقصود بالنظر، فإن قلت: في سورة ص (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً)، بالإفراد، وقال: هنا (صَافَّاتٍ ... (١٩) .. ، بالجمع، قلت: لأن انعطاف الطير لازم لها دائما، بخلاف الحشر؛ فإنه خاص بزمن داود - عليه السلام - لبعض الطير، وهو طير وطنه الذي كان فيه، فناسب الإفراد. [وفي*] سورة النحل (مُسَخرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ)، والفرق [**أعم الجو].