الأول: مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأمور، فما سوى الله معدوم وليس في الوجود إلا هو.
ثم [يليهم*] المقتصدون، وهم أصحاب اليمين، قالوا: الممكنات موجودة فتفتقر إلى [مميز*]، وهو الله ولم ينظروا للأشياء من حيث هي؛ بل ينظروا إلى ظواهرها، فلم تكن الإشارة كافية لهم، ولم يكن لفظه هو [تام*] الإفادة في حقهم، فافتقروا معها إلى مميز، فقيل:[ ... ] هو الله، إنه يفيد افتقار غيره إليه، واستغناؤه هو عن غيره.
ثم [يليهم*] أصحاب الشمال، يجوز تعدد الإله، فقال (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لأجل هؤلاء، ولما كان الله أحد في ذاته؛ لزم أن لَا يكون [متحيزا*] ولا جوهرا ولا عرضا، ولا في مكان ولا جهة، ولا يشبه شبه أحد غني عن كل أحد، قال: وفيه سران معنوي، ولفظي، فلا [يخطر*] في عقولهم موجود لذاته سوى الأجل [الحق*]، فإن واجب الوجود لذاته واحد، وما عداه ممكن لذاته معدوم في نفسه؛ ولذلك قال (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فكانت الإشارة بهذا كافية لهم في تفسير الشأن، وأما اللفظي عن وجوه:
أحدها: أن لفظ (هو) مركب في الواو والهاء أصل لوجهين:
أحدهما: أن الواو تسقط مع التثنية والجمع، تقول: هما وهم فإنها الأصل، [وهو*] حرف واحد، فدل على الواحد الشيء، وليس لشيء من الأسماء هذه الخاصية، ألا ترى أنه تعالى خلق جميع [الأعضاء*] كاليدين والرجلين ومدخل الغذاء والهواء ومخرجهما، ثم خلق القلب واحد؛ لأنه محل المعرفة، واللسان واحد؛ لأنه محل الذكر، والجبهة واحدة؛ لأنها محل السجود، فكانت [هذه*] الأعضاء أشرف من غيرها، وكذلك الهاء في قولنا: هو.
الثاني: أدخل حروف الحلق، والواو حرف يتولد من الشفتين.
والثالث: أن الهاء باطن، والواو ظاهر، هذان حرفان يتولدان من أول [المخرج*] وآخره، فيصدق عليهما كونهما أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، فكان الاسم الأعلى الحق الموصوف بذلك.
قال الزجاج: وأما الأحد أصله لغة الواحد، أن يقال: وحد موحد فهو وحد كحسن محسن فهو حسن، ثم انقلبت الواو همزة، ومنه امرأة [أناة ووناة*]، والفرق بينهما [من وجوه*]:
الأول: أن الواحد [مفتتح العدد*]، يقال: واحد اثنان، ولا يقال: أحد اثنان.