للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النحر كما هو معروف، فبيّن بفعله - صلى الله عليه وسلم -: أن بلوغه مَحِلَّه يوم النحر بمنى، بعد رمي جمرة العقبة، فمن أجاز ذبح هدي التمتع قبل ذلك، فقد خالف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المبيِّن لإجمال القرآن، وخالف ما عليه الصحابة من بعده - صلى الله عليه وسلم -، وخالف ما جرى عليه عمل المسلمين، ولا يثبت بنصٍّ صحيح عن صحابيٍّ واحدٍ أنه نحر هدي تمتُّعٍ أو قرانٍ قبل يوم النحر، فلا يجوز العدول عن هذا الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مبيِّناً به إجمال الآيات القرآنية، وأكده بقوله: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (١) (٢).

قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه: ((وبه تعلم أن ذبحه - صلى الله عليه وسلم - هديه يوم النحر، وهو قارن، وذبحه عن أزواجه يوم النحر وهنَّ متمتعات، وعن عائشة وهي قارنة: فِعلٌ مبيّنٌ لنصٍّ واجبٍ، فهو واجب، ولا تجوز مخالفته في نوع الفعل، ولا في زمانه، ولا في مكانه، إلا فيما أخرجه دليل

خاصٌّ، كغير المكان الذي ذبح فيه، من منى؛ لأنه بيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن منى كلها منحر، ولم يبيّن أن الزمن كله وقت نحر ... )) (٣).

فإذا عرفت ذلك مما تقدم فاعلم: أن الحق الذي دلّ عليه الكتاب والسنة، وفعل الخلفاء الراشدين، والمهاجرين، والأنصار، وغيرهم من كافة الصحابة، وعلماء المسلمين، وهو أنه لا يجوز نحر هدي التمتع والقران قبل يوم النحر، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه)) (٤) (٥).


(١) مسلم، برقم ١٢٩٧، وتقدم تخريجه.
(٢) انظر: أضواء البيان للشنقيطي، ٥/ ٥٢٢ - ٥٤٠.
(٣) المرجع السابق، ٥/ ٥٣٥ - ٥٣٦.
(٤) أضواء البيان، ٥/ ٥٤٣، وانظر تمام البحث إلى: ٥/ ٥٥٣.
(٥) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في وقت وجوب الهدي ووقت نحره على مذاهب على النحو الآتي:
* فمذهب مالك التحقيق فيه: أن هدي التمتع والقران لا يجب وجوباً تاماً إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة؛ لأن ذبحه في ذلك الوقت هو الذي فعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقال: ((لتأخذوا مناسككم))؛ ولهذا لو مات المتمتع قبل يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة، لا يلزم إخراج هدي التمتع من تركته، ٥/ ٥٢٢؛ لأنه لم يتم وجوبه، وهذا هو الصحيح المشهور من مذهب مالك، وإذا كان موته بعد رمي جمرة العقبة، فيلزمه، ٥/ ٥٢٣، وقال الشنقيطي عن ما نسب إلى مذهب المالكية: ((فمن ظن أن المجزئ هو نحره قبل إحرام الحج، أو بعده قبل وقت النحر، فقد غلط غلطاً فاحشاً)). [أضواء البيان، ٥/ ٥٢٤]، وعلى هذا فلا يجوز نحر هدي القران والتمتع عند المالكية قبل يوم النحر، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [سورة البقرة، الآية: ١٩٦]، وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر، فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر. ٥/ ٥٢٥.
والحاصل أنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران عند مالك وعامة أصحابه قبل يوم النحر، ٥/ ٥٢٥.
* مذهب الإمام أحمد في وقت وجوب الهدي: قيل وقت الإحرام بالحج، وقيل: يجب إذا وقف بعرفة، وقال المرداوي في الإنصاف: ((يلزم دم التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر، على الصحيح من المذهب، والصواب أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، وهذا هو الصحيح المشهور من مذهب الإمام أحمد)) [٥/ ٥٢٦ - ٥٢٨].
* مذهب الشافعي: وقت وجوب دم التمتع هو وقت الإحرام بالحج، وأما وقت جواز ذبحه عند الشافعية ففيه قولان:
القول الأول: لا يجوز قبل الإحرام بالحج، ويجوز بعده بلا خلاف عندهم.
القول الثاني: يجوز بعد الفراغ من العمرة، ولا يجوز قبل الإحرام بلا خلاف عندهم؛ لأنه حق مالي يجب بسببين، هما: الحج والعمرة، فجاز تقديمه على أحدهما قياساً على الزكاة بعد ملك النصاب، وقبل حلول الحول، ٥/ ٥٢٩ - ٥٣١.
* مذهب أبي حنيفة: وقت وجوبه هو وقت الإحرام بالحج، أما وقت نحره فهو عند أبي حنيفة وأصحابه يوم النحر، فلا يجوز تقديمه عليه عند الحنفية، وإن قدمه لم يجزئه. ٥/ ٥٢٩.

<<  <   >  >>