والتحقيق أنها لم يثبت في الحقيقة شيء منها والأغلب أن من رويت عنه من الصحابة أخذوها عن بعض الإسرائيليين.
الوجه الثاني: أن الآية الكريمة على أسلوب عربي معروف، وهو أنه جرت العادة في القرآن أن يسند فعل الآباء إلى الأولاد، وربما أسند فعل الأولاد إلى الآباء، وأن الفعل هنا أُسند لآدم وحواء (جعلا) بألف التثنية الواقعة على آدم وحواء، والمراد ذريتهما التي أعطاها الله التناسل يخرج هذا بشرًا سويًّا، ويخرج بسلام، ومع ذلك يكفرون بالله (جل وعلا) ويعبدون غيره، والدليل على أنه أطلق آدم وحواء وأراد ذريتهما من القرآن أنه قال بعده:{فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف: آية ١٩٠] ثم قال: {أَيُشْرِكُونَ} بصيغة الجمع {مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[الأعراف: آية ١٩١] ثم ذكر علامات الأصنام التي يُشرك بها أولادهم كما هو واضح. وهذا القول أرْجَح، واختاره غير واحد من المحقِّقِين لدلالة القرآن عليه، ونظيره من القرآن:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ}[الأعراف: آية ١١]؛ لأن معنى {صَوَّرْنَاكُمْ} هنا: صورنا أباكم آدم. فنسب التصوير إليهم والمُصوَّر أبوهم آدم، بدليل أنه قال:{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ} وأمر الملائكة بالسجود قبل تصوير بني آدم الآخرين كما لا يخفى.