وهذا معنى قوله:{جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} القول الأول: سمّيا الولد عبد الحارث، وعلى الثاني: المُراد: ذريتهما جعلت لله شركاء، فأشركت بالله (جل وعلا) الأصنام، وشاركوه في جميع ما أعطاهم من النعم والأولاد حتى قال الله للشيطان:{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}[الإسراء: آية ٦٤] وقال تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا}[الأنعام: آية ١٣٦] وكونه أسند الفعل لآدم وحواء وأراد ذرّيّتهما وهو الذي دَلَّ عَلَيْهِ القرآن؛ ومثل هذا كثير في القرآن؛ لأنه يقول لبني إسرائيل في زمن النبي:{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}[البقرة: آية ٥٧]{وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}[البقرة: آية ٦٣] والمفعول بهم هذا أسلاف أسلاف أسلافهم لا هؤلاء الموجودين كما هو معروف. وهذا معنى قوله:{جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ} أي: تَقَدَّس وتَعَاظَم وتنَزَّهَ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} به، وهو (جل وعلا) مُنَزَّه عن الشريك، وهو الواحد الأحد في عبادته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شريك له في شيء من ذلك.
[٢٦/ب] /ثم قال منكرًا عليهم: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا}{أَيُشْرِكُونَ} بالله وهو خالق كل شيء {مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا}[الأعراف: آية ١٩١] هذا ليس بإنصاف، وقد جرت العادة في القرآن في آيات كثيرة أنه يجعل سبب العبادة التي تُستحق به هو الخلق والإبراز مِنَ العَدَمِ إلى الوجود، فمن يبرزكم من العدم إلى الوجود، ويوجدكم بعد أن كنتم عدمًا هذا هو ربكم الذي يستحق أن تعبدوه وحده، أما الذي يحتاج إلى من يخلقه فهو عبد مربوب فقير مثلكم، عليه أن يَعْبُدَ مَنْ خَلَقَه؛