للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ - أن تكون التفرقة بين الشيئين بالغاية كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} ١، أي: فإذا تطهرن فلا مانع من قربانهن، كما صرح به عقيبه بقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ، فالشيئان هما: قربانهن وعلته الطهر والمنع من قربانهن وعلته الأذى، فالتفريق بين المنع من قربانهن قبل الطهر، وبين جوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر لكان بعيداً.

٣ - أن تقع التفرقة بالاستثناء كما في قوله تعالى:

{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} ٢، أي: الزوجات على ذلك النصف فلا شيء لهن.

فتفريقه بين ثبوت النصف لهن وبين انتفائه عند عفوهن لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيداً، وأما ثبوت النصف لهن فعلته العقد.

٤ - أن تكون التفرقة بالاستدراك كما في قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} ٣، فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالأيمان التي هي لغو وبين المؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيداً.

٥ - أن يكون التفريق بذكر صفة لأحدهما بعد ذكر الأخرى بشرط أن تكون تلك الصفة صالحة للعلية مثال ذلك حديث الصحيحين ولفظه كما في البخاري٤: "جعل للفرس سهمين، ولصاحبه سهماً"٥، فالحكمان هما: جعل


١ سورة البقرة آية: ٢٢٢.
٢ سورة البقرة آية: ٢٣٧.
٣ سورة المائدة آية: ٨٩.
٤ هو شيخ الإسلام وإمام الحفاظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه الجعفي، مولاهم البخاري، صاحب التصانيف، ولد سنة ١٩٤هـ، أخذ عن علماء عصره حتى صار رأساً في العلم والورع والعبادة، وحدث عنه الترمذي، ومحمد بن نصر المروزي وابن خزيمة، والفربري وخلق كثير، مؤلفاته جليلة منها الجامع الصحيح، توفي سنة ٢٥٦هـ. انظر: تذكرة الحفاظ ٢/٥٥٥-٥٥٦.
٥ انظر: صحيح البخاري مع الفتح ٦/٦٧، صحيح مسلم ٥/١٥٦.
ومعنى الحديث هو أن لصاحب الفرس ثلاثة أسهم، سهمان للفرس وسهم له هو فإن لم يكن معه فرس، فله سهم واحد، ويدل لهذا ما رواه أبو داود ٢/٦٩ عن أحمد بن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ "أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهماً له، وسهمين لفرسه" وبهذا قال الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، وقد بين الحافظ بن حجر رجحان هذا التفسير وضعف ما سواه بجمعه لورايات الحديث والكلام عليها، فمن أراد الاطلاع على ذلك فليرجع إلى المصدر المذكور.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن للفارس سهمين: سهم له، وسهم لفرسه، واستدل بما روى عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس سهمين وللراجل سهماً".
انظر تفاصيل أقوال الأئمة في: الشرح الكبير مع حاشية الجسوقي ٢/١٩٣، الأم ٤/١٤٤، كشاف القناع ٣/٨١، وفتح القدير ٥/٤٩٣.

<<  <   >  >>