للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي تَبْدِيلِ الْمَحَلِّ مُخَالَفَةَ الْحَامِلِ وَفِيهَا بُطْلَانُ الْإِكْرَاهِ كَإِكْرَاهِ الْمُحْرِمِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَوْ جُعِلَ آلَةً يَصِيرُ الْمَحَلُّ إحْرَامَ الْحَامِلِ، وَكَمَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ، وَالتَّسْلِيمِ فَالتَّسْلِيمُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَوْ جُعِلَ آلَةً يَصِيرُ تَسْلِيمَ الْمَغْصُوبِ وَيَتَبَدَّلُ ذَاتُ الْفِعْلِ أَيْضًا) فَإِنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ غَصْبًا (وَالْإِعْتَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ) لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ (لِأَنَّهُ مِنْ الْأَقْوَالِ لَكِنَّ الْإِتْلَافَ فِعْلٌ يَحْتَمِلُهُ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ لَكِنَّهُ إتْلَافُ نَفْيِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَمْ يُجْعَلْ آلَةً فَيُعْتَقُ عَلَى الْفَاعِلِ وَفِي الْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ

ــ

[التلويح]

يَلْزَمُ تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَى دِينِ الْحَامِلِ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ الْفَاعِلَ بِذَلِكَ، فَيَنْتَفِي الْإِكْرَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ آلَةً لَزِمَ نِسْبَةُ الْإِثْمِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْحَامِلِ، وَالْفَاعِلِ أَمَّا الْحَامِلُ فَلِقَصْدِهِ قَتْلَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَأَمَّا الْفَاعِلُ فَلِإِطَاعَتِهِ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَإِيثَارِهِ نَفْسَهُ عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَتَحْقِيقُهُ مَوْتَ الْمَقْتُولِ بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ لُزُومَ تَبَدُّلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةً مَفْرُوضٌ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً، وَلَوْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ لَكِنْ فِي الْإِثْمِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ آلَةً مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُعَبَّرَ فِي الِاحْتِمَالِ، وَعَدَمِهِ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ.

(قَوْلُهُ: وَالْحُرُمَاتُ أَنْوَاعٌ) مَا مَرَّ كَانَ حُكْمَ الْأَفْعَالِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا فِي أَنَّهَا بِمَنْ تَتَعَلَّقُ، وَإِلَى مَنْ تُنْسَبُ، وَهَذَا بَيَانُ الْإِقْدَامِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاخْتِيَارِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مُرَخَّصًا فِيهِ فَالْحُرُمَاتُ إمَّا أَنْ تَحْتَمِلَ السُّقُوطَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ تَحْتَمِلَ الرُّخْصَةَ أَوْ لَا فَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَلَا الرُّخْصَةَ، وَنَوْعٌ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَنَوْعٌ يَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ فَقَطْ، وَالثَّالِثُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا أَنْ تَحْتَمِلَ السُّقُوطَ أَوْ لَا، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ حُكْمٌ مُبَيَّنٌ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَالزِّنَا) يَعْنِي: زِنَا الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ الزَّانِي حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا الْمَرْأَةُ مُمَكِّنَةٌ مِنْ الزِّنَا فَزِنَاهَا مِنْ قَبِيلِ مَا يَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ يَدِهِ) إذْ فِي فَوَاتِ النَّفْسِ فَوَاتُ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِهَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ فَلَيْسَ حُرْمَةُ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْيَدِ لَكِنْ لَيْسَ حُرْمَةُ يَدِ غَيْرِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ بِالْقَتْلِ عَلَى قَطْعِ يَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ، وَلَوْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ طَرَفَ الْمُؤْمِنِ فِي الْحُرْمَةِ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمُضْطَرِّ قَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ لِيَأْكُلَهُ، وَأَمَّا إلْحَاقُ الْأَطْرَافِ بِالْأَمْوَالِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا لَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَإِنَّ النَّاسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>