للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِتْلَافُ يُجْعَلُ آلَةً، فَيَضْمَنُ الْحَامِلُ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (لَكِنْ لِإِتْلَافِ فِعْلٍ يَحْتَمِلُ، فَيَنْتَقِلُ إلَى الْحَامِلِ، فَيَضْمَنُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إعْتَاقٌ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ (وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ التَّبْدِيلُ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ جَعْلِهِ آلَةً تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ (يُجْعَلُ آلَةً كَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَالنَّفْسِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ عَلَيْهِ وَأَتْلَفَهُ، فَيَخْرُجُ الْفَاعِلُ مِنْ الْبَيْنِ فَيُضَافُ إلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً فَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ: عَلَى الْحَامِلِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَقْتَصُّ هُوَ فَقَطْ (لَكِنْ فِي الْإِثْمِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ آيَةً؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ وَلَوْ جُعِلَ آلَةً لَتَبَدَّلَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَيَأْثَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْحُرُمَاتُ أَنْوَاعٌ: حُرْمَةٌ لَا تَسْقُطُ بِالْإِكْرَاهِ، وَلَا تَدْخُلُهَا الرُّخْصَةُ كَالْقَتْلِ

ــ

[التلويح]

يَبْذُلُونَ أَمْوَالَهُمْ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ، وَلَا يَبْذُلُونَ أَطْرَافَهُمْ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالزِّنَا قَتْلٌ) أَمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّانِي لِعَدَمِ النَّسَبِ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِعَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ، فَيَهْلِكُ الْوَلَدُ، وَالْوَلَدُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَزَوِّجَةً، وَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْفِرَاشِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ رُبَّمَا يَنْفِي مِثْلَ هَذَا النَّسَبِ، فَيَهْلِكُ الْوَلَدُ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ يُبِيحُهَا) أَيْ: يُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ حُرْمَةً تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ عَنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهَا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِيهَا فَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ ضَرُورَةً، وَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ بِخَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ نَوْعٌ مِنْ الِاضْطِرَارِ، وَإِنْ اخْتَصَّ الْإِضْرَارَ بِالْمَخْمَصَةِ تَثْبُتُ بِالْإِكْرَاهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُكْرَهُ عَنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا إنْ كَانَ عَالِمًا بِسُقُوطِ الْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ الْغَيْرُ الْمُلْجِئِ فَلَا يُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ لِعَدَمِ الِاضْطِرَارِ لَكِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ حَتَّى لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ بِالْإِكْرَاهِ الْغَيْرِ الْمُلْجِئِ لَا يُحَدُّ.

(قَوْلُهُ: وَحُرْمَةَ لَا تَسْقُطُ) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُرْمَةِ، وَهِيَ حُرْمَةٌ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مُتَعَلِّقُهَا قَطُّ لَكِنْ قَدْ يُرَخَّصُ لِلْعَبْدِ فِي فِعْلِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ، وَهِيَ إمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ بِتَرْكِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرِ مُحْتَمِلٍ لِلسُّقُوطِ كَالْإِيمَانِ أَوْ يَحْتَمِلُ لَهُ كَالصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَرْكِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِمَالِ الْمُسْلِمِ فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ إكْرَاهٌ عَلَى حَرَامٍ لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ، وَهُوَ تَرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلسُّقُوطِ بِحَالٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ حَرَامٌ صُورَةً، وَمَعْنًى حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَإِجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ كُفْرٌ صُورَةً إذْ الْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّاهِرِ فَتَكُونُ حَرَامًا أَبَدًا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ فِيهِ بِشَرْطِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>