فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَالِ فِي الْخُلْعِ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ (كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي جَانِبِهَا) أَيْ: إذَا خَالَعَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا، فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى قَبُولِهَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ لَا يَصِحُّ فِي الْخُلْعِ؛ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْخُلْعَ يَمِينٌ فِي حَقِّهِ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّهَا.
(وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، فَيَجِبُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْفَسِخُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ تَفْسُدُ، وَالْمُلْجِئُ وَغَيْرُهُ هُنَا سَوَاءٌ؛ لِعَدَمِ الرِّضَا وَكَذَا الْأَقَارِيرُ كُلُّهَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَالْأَفْعَالُ مِنْهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ) أَيْ: كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ (كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ وَالزِّنَا، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ فَإِنْ لَزِمَ مِنْ جَعْلِهِ آلَةً
ــ
[التلويح]
ذَلِكَ فِي الْآخَرِ كَمَا إذَا أَكْرَهَ الْغَيْرَ عَلَى إعْتَاقِ عَبْدِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَوْلٌ، وَتَكَلَّمَ بِالصِّيغَةِ يُنْسَبُ إلَى الْفَاعِلِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنُ الْفَاعِلِ آلَةً فَيُصْبِحُ الْعِتْقُ لِكَوْنِهِ صَادِرًا عَنْ الْمَالِكِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ يُنْسَبُ إلَى الْحَامِلِ، وَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، فَيَجِبُ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْحَامِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَهُوَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْفَاعِلِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ إيرَادَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْسَبُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ الْفَاعِلِ آلَةَ تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَالنَّفْسِ، وَحُكْمُهُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً لَا نَقْلًا مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْقِصَاصِ، وَالدِّيَةِ، وَالْكَفَّارَةِ يَجِبُ عَلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً فَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ، فَأَصَابَ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَامِلِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ الْغَيْرِ عَمْدًا فَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقِصَاصُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ عَمْدًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ الْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْحَامِلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ بِمُبَاشَرَةِ جِنَايَةٍ تَامَّةٍ، وَقَدْ عُدِمَتْ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَامِلِ، وَالْفَاعِلِ لِبَقَاءِ الْإِثْمِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصُ عَلَى الْحَامِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ، فَيَقْدُمُ عَلَى مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ بِقَضِيَّةِ الطَّبْعِ بِمَنْزِلَةِ آلَةٍ اخْتِيَارًا لَهَا كَالسَّيْفِ فِي يَدِ الْقَاتِلِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْحَامِلِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ فَالْفَاعِلُ لَا يَصْلُحُ آلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَيَكْتَسِبَ الْإِثْمَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَصْدُ الْقَلْبِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْدُ بِقَلْبِ الْغَيْرِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِ الْغَيْرِ، وَلَوْ فَرَضْنَاهُ آلَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute