للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

طلبها، كما قيل لبعضهم: ما الذي زهَّدكَ في الدُّنيا؟ قالَ: قلَّةُ وفائها، وكثرةُ جفائها، وخسة شُركائها.

ومنهم من كان ينظر إلى حقارةِ الدُّنيا عند الله، فيقذرها، كما قال الفضيلُ: لو أنَّ الدُّنيا بحذافيرها عرضت عليَّ حلالاً لا أحاسب بها في الآخرة، لكنت أتقذرها كما يتقذر الرَّجلُ الجيفةَ إذا مرَّ بها أنْ تصيبَ ثوبه (١).

ومنهم من كان يخافُ أنْ تشغلَه عن الاستعدادِ للآخرة والتزوُّدِ لها. قال الحسن: إنْ كان أحدهم ليعيش عمره مجهوداً شديدَ الجهد، والمالُ الحلال إلى

جنبه، يقال له: ألا تأتي هذا فتُصيب منه؟ فيقول: لا والله لا أفعل، إنِّي أخافُ أنْ آتيه، فأصيبَ منه، فيكون فسادَ قلبي وعملي (٢).

وبُعِثَ إلى عمر بن المنكدر بمالٍ، فبكى، واشتدَّ بكاؤه، وقال: خشيت أنْ تغلب الدُّنيا على قلبي، فلا يكون للآخرة فيه نصيب، فذلك الذي أبكاني، ثم أمر به، فتُصُدِّقَ به على فقراء أهل المدينة.

وخواص هؤلاء يخشى أنْ يشتغلَ بها عن اللهِ، كما قالت رابعة: ما أحبُّ أنَّ لي الدُّنيا كلَّها مِنْ أوَّلها إلى آخرها حلالاً، وأنا أنفقُها في سبيل الله، وأنَّها شغلتني عنِ الله طرفةَ عينٍ.

وقال أبو سليمان: الزهد ترك ما يشغل عن الله (٣). وقال: كلُّ ما شغلك عن اللهِ مِنْ أهلٍ ومالٍ وولدٍ، فهو مشؤوم (٤).

وقال: أهلُ الزُّهد في الدُّنيا على طبقتين (٥): منهم من يزهدُ في الدُّنيا، فلا يُفْتَحُ له فيها روح الآخرة، ومنهم من إذا زَهِدَ فيها، فُتحَ له فيها روحُ الآخرة (٦)، فليس شيءٌ أحبَّ إليه من البقاء ليطيع الله (٧).

وقال: ليس الزاهد من ألقى همومَ الدُّنيا، واستراح منها، إنَّما الزَّاهد من زَهِدَ في الدُّنيا، وتعب فيها للآخرة (٨).


(١) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٨/ ٨٩.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ٢٦٩.
(٣) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٢٥٨.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٢٦٤.
(٥) في (ص): «الزهد على طبقتين».
(٦) من قوله: «ومنهم من إذا … » إلى هنا سقط من (ص).
(٧) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٢٧٤.
(٨) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>