للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ومنهم من يُخرجه مِنْ يده، ولا يُمسكه، وهؤلاء نوعان: منهم من يُخرجه اختياراً وطواعية، ومنهم من يُخرجهُ ونفسه تأبى إخراجه، ولكن يُجاهدُها على ذلك. وقد اختُلف في أيِّهما أفضل، فقال ابنُ السَّماك والجنيد: الأوَّل أفضلُ، لتحقُّق نفسه بمقامِ السَّخاءِ والزُّهد، وقال ابن عطاء: الثَّاني أفضل؛ لأنَّ له عملاً ومجاهدة. وفي كلام الإمام أحمد ما يدلُّ عليه أيضاً.

ومنهم من لم يحصُل له شيءٌ مِنَ الفُضولِ، وهو زاهدٌ في تحصيله، إمَّا مع قدرته، أو بدونها، والأوَّل أفضلُ مِنْ هذا، ولهذا قال كثيرٌ مِنَ السَّلفِ: إنَّ عمرَ ابن عبد العزيز كان أزهدَ مِنْ أويس ونحوه، كذا قال أبو سليمان (١) وغيرُه.

وكان مالكُ بنُ دينار يقولُ: الناسُ يقولون: مالكٌ زاهدٌ، إنَّما الزَّاهدُ عمر ابن

عبد العزيز (٢).

وقد اختلف العلماء: أيُّما أفضلُ: من طلبَ الدُّنيا منَ الحلال، ليصل رحمَه، ويقدِّم منها لنفسه، أم من تركها فلم يطلبها بالكُليَّة؟ فرجَّحت طائفةٌ من تركها

وجانبها، منهم: الحسن وغيره، ورجَّحت طائفةٌ من طلبها على ذلك الوجه، منهم: النخعي وغيره، وروي عن الحسن عنه نحوه.

والزَّاهدون في الدُّنيا بقلوبهم لهم ملاحظُ ومشاهدُ يشهدونها، فمنهم من يشهدُ كثرةَ التَّعب بالسَّعي في تحصيلها، فهو يزهدُ فيها قصداً لراحةِ نفسه. قال الحسن: الزُّهد في الدُّنيا يُريح القلب والبدن.

ومنهم من يخافُ أنْ ينقصَ حظُّه من الآخرة بأخذ فضولِ الدُّنيا. ومنهم من يخافُ من طُولِ الحساب عليها، قال بعضهم (٣): من سأل الله الدُّنيا، فإنَّما يسأل طولَ الوُقوفِ (٤) للحساب.

ومنهم من يشهدُ كثرةَ عُيوبِ الدُّنيا، وسرعة تقلُّبها وفنائها، ومزاحمةَ الأراذِلِ في


(١) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٩/ ٢٧٢.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٢٥٧.
(٣) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٨/ ٣٣٧ من قول بِشر بن الحارث.
(٤) سقطت من (ص).

<<  <   >  >>