فلما خرج قال له أبو عمرو- وكان حاضرا: هلا قلت له: إنما عنيت بانتجاع الناقة صاحبها، كما قال الله عز وجل «٤٠»«واسأل القرية التى كنّا فيها» ؛ يريد أهلها، وهلّا أنشدته قول الحارثى:
وقفت على الدّيار فكلمتنى ... فما ملكت مدامعها القلوص
يريد صاحبها.
فقال له ذو الرّمة: يا أبا عمرو، أنت مفرد فى علمك، وأنا فى علمى وشعرى ذو أشباه.
حدثنى أحمد بن محمد الجوهرى، وأحمد بن إبراهيم الجمّال، قالا: حدثنا الحسن بن عليل العنزى، قال: حدثنا يزيد بن محمد بن المهلب بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة، قال: حدثنا عبد الصمد بن المعذّل، عن أبيه، عن جده غيلان بن الحكم، قال: قدم علينا ذو الرّمة الكوفة، فوقف راحلته بالكناسة ينشدنا قصيدته الحائية، فلما بلغ إلى هذا البيت «٤١» :
إذا غيّر النأى المحبين لم يكد ... رسيس «٤٢» الهوى من حبّ ميّة يبرح
فقال له ابن شبرمة: يا ذا الرّمة؛ أراه قد برح. ففكر ساعة، ثم قال:
إذا غيّر النأى المحبين لم أجد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح
قال: فرجعت إلى أبى الحكم بن البخترى بن المختار فأخبرته الخبر، فقال: أخطأ ابن شبرمة حيث أنكر عليه، وأخطأ ذو الرّمة حيث رجع إلى قوله؛ إنما هذا كقول الله عز وجل «٤٣» : «أو كظلمات فى بحر لجّىّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض [٨٩] إذا أخرج يده لم يكد يراها» ؛ أى لم يرها ولم يكد.
أخبرنى محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوى، قال: حدثنا