وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الحمد لله على ما أولى من جزيل عطائه، وأسنى من جميل بلائه، حمدا نستديم به نعمه، ونستدفع به نقمه، ونستدعى به مزيده. وصلى الله على خير الأنبياء، وأفضل الأصفياء: محمد وآله وسلم تسليما؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
سألت، حرس الله النعمة عليك، وأسبغ الموهبة لديك، أن أذكر لك طرفا مما أنكر على الشعراء فى أشعارهم من العيوب التى سبيل أهل عصرنا هذا ومن بعدهم أن يجتنبوها ويعدلوا عنها؛ فأجبتك إلى ما سألت، وعملت فيه بما أحببت؛ وأودعت هذا الكتاب ما سهل وجوده، وأمكن جمعه، وقرب متناوله من ذكر عيوب الشعراء التى نبّه عليها أهل العلم، وأوضحوا الغلط فيها: من اللحن، والسناد، والإيطاء، والإقواء، والإكفاء، والتضمين، والكسر، والإحالة، والتناقض، واختلاف اللفظ، وهلهلة النسج، وغير ذلك من سائر ما عيب على الشعراء قديمهم ومحدثهم فى أشعارهم خاصة؛ سوى عيوبهم فى أنفسهم وأجسامهم، وأخلاقهم وطبائعهم، وأنسابهم ودياناتهم، وغير هذه الخصال من معايبهم؛ فإنا قد استقصيناه فى كتابنا الذى لقّبناه ب (المفيد) وغيره من كتبنا التى ضمنّاها أخبار الشعراء، وشرحنا فيها أحوالهم؛ وسوى سرقات معانى الشعر؛ فإنها أحد عيوبه، وخاصة إذا قصّر قول السارق عن مدى المسروق؛ فإنا قد أتينا بكثير من ذلك فى (كتاب الشعر) الذى نبهنا فيه على فضائله، ووصف نعوته وعيوبه.
وابتدأنا بباب أبنّا فيه عن حال السّناد والإيطاء، والإقواء والإكفاء: وإن لم يكن هذا الكتاب مفتقرا إلى ذكره؛ وإنما أوردناه لما جاء فيه من الأشعار المعيبة، لأنها إذا نسبت إلى رواتها مجتمعة كان أبلغ فيما قصدنا له، وأقرب إلى فهم القارئ وقلب السامع، وإن كان بعضها يجىء متفرقا فى أبواب قائليها من غير هذه الوجوه وبغير هذه الروايات.