يكن للشيء أصل من حظر، ولا إباحة، واقتضى أحد الخبرين الحظر، والآخر الإباحة، مثل خبر عدي بن حاتم - رضي الله سبحانه وتعالى عنه - في ما أكلت منه الجارحة أنه يحرم، مع خبر أبي ثعلبة الحنشي - رضي الله سبحانه وتعالى عنه - في إباحة أكله، وأصح قولي الإمام الشافعي - رحمه الله سبحانه وتعالى - أنه لا يحل اعتمادا على هذا الأصل.
أما إذا كان للشيء أصل إباحة وأصل حظر، وأحد الخبرين يوافق ذلك الأصل، والآخر مخالفه، كان الناقل عن ذلك الأصل أولى، كتقديم الخبر في تحريم النبيذ على الخبر في تحليله اهـ
والجزم قبل الندب والذي نفى … حدا على ما الحد فيه ألفا
قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: والجزم قبل الندب، معناه أن أمر الوجوب مقدم على أمر الندب، للاحتياط.
قوله: والذي نفى البيت، معناه أنه إذا تعارض نصان، وكان أحدهما يقتضي الحد، والآخر ينفيه، قدم نافي الحد، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهذا مستثنى من تقديم المثبت. … وقيل: يقدم موجب الحد، لإفادته التأسيس.
قال التاج السبكي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في رفع الحاجب: وفي وجه لأصحابنا أنهما سواء، لأن الشبهة لا تؤثر في ثبوته شرعا، ألا ترى أنه ثبت بخبر الواحد، والقياس، مع الشبهة فيهما، ولأن الحد إنما يسقط بالشبهة إذا كانت في نفس الفعل، فيبيحه قوم، ويحظره آخرون، كالوطء في النكاح بلا ولي ولا شهود، وليس هنا اختلاف في نفس الفعل، وإنما تعارض الخبران فيه، فكانا سواء، ونظيره من عرف تحريم الخمر، وجهل أنه موجب للحد، ولا يجعل جهله بإيجاب الحد شبهة اهـ
ومثل الحد في ما ذكر التعزير كما في النشر.
ما كان مدلول له معقولا … وما على الوضع أتى دليلا
معنى أول الشطرين، أن ما عقل معناه، مقدم على ما لم يعقل معناه، لأن عقل المعنى أغلب في الأحكام، مع أنه أدعى للقبول، وأفيد بالقياس عليه، ومحل هذا غير أبواب التعبد، إذ الأغلب فيها خلاف ذلك.