وأشار - رحمه الله سبحانه وتعالى - إلى الثاني بقوله:
وقد يجيء في ما أصلا
وذا بإبدا علة للحكم … ممن يرى تعددا ذا سقم
والمعنى أن القدح بعدم التأثير يكون أيضا في الأصل، وذلك ببيان أن المعنى الجامع بينه وبين الفرع في قياس المستدل، يوجد الحكم بدونه لوجود موجب آخر، كقول الشافعية في منع بيع الغائب: مبيع غير مرئي، فلا يجوز، قياسا على السمك في الماء، فيقال: عدم الرؤية مستغنى عنه في امتناع الأصل، بالعجز عن التسليم.
وحاصله معارضة في الأصل بإبداء علة أخرى.
والقدح به إنما يكون على القول بمنع تعدد العلة، وأما على القول بالجواز فلا يقدح، لصحة التعليل بكل من العلتين كما قال إمام الحرمين والبيضاوي - رحمهما الله سبحانه وتعالى -.
وأشار - رحمه الله سبحانه وتعالى - إلى القسم الثالث بقوله:
وقد يجي في الحكم وهو أضرب … فمنه ما ليس لفيد يجلب
وما لفيد عن ضرورة ذكر … أو لا ................
والمعنى أن القدح بعدم التأثير، يكون أيضا في الحكم، بأن يبين أن بعض الأوصاف المعلل بها لا مدخل له في الحكم، لا في الأصل ولا في الفرع، وهذا الوصف إما أن لا يكون لذكره فائدة أو لا، والفائدة إما ضرورية أو لا.
فأولها ـ وهو ما ليست لذكره فائدة ـ كقول الحنفية في نفي ضمان المرتد ما أتلفه وهو بدار الحرب: مشرك أتلف مالا في دار الحرب، فلا ضمان عليه كالحربي.
فدار الحرب طردي عنده، ولا فائدة لذكره، لأن من أثبت ضمان المرتد، أثبته مطلقا، سواء كان في دار الحرب، أو في دار الإسلام، ومن نفاه نفاه مطلقا أيضا.
وهذا هو قول الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى -: فمنه ما ليس لفيد يجلب.
والثاني ـ وهو ما كان لذكر الوصف فيه فائدة ضرورية ـ كقول معتبر العدد في الاستجمار بالحجارة: عبادة متعلقة بالحجارة لم تتقدمها معصية، فيعتبر فيها العدد، كرمي الجمار.