دلت القرينة على عليته، كما في تعليل الربويات بالطعم، فما سبق من اشتراط اشتمال الوصف على حكمة تبعث المكلف على الامتثال، إنما هو في الجملة.
وأما التعبدات فيجوز خلوها عن درء المفاسد وجلب المصالح، فجلب مصلحة الثواب - مثلا ـ كاف في ذلك.
والاستقراء دال على أن أكثرها يتضمن حكما أخرى غير الجزاء كثيرة، فهي إذا كغيرها.
واختلف في المظنة إذا قطع في بعض محالها بانتفاء الحكمة، هل يثبت الحكم، لأن الشرع جعل المظنة علامة له، أو لا يثبت، إذ لا عبرة بالمظنة مع تحقق انتفاء المئنة.
مثاله: من مسكنه على البحر، ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة، يجوز له القصر في سفره، واستبراء الصغيرة، التي لا تحمل عادة، وإلى هذا أشار الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله:
وفي ثبوت الحكم عند الانتفا … للظن، والنفي خلاف عرفا
وقوله: للظن، يعني به للمظنة، وهو تعليل لقوله: ثبوت الحكم.
وقوله: عند الانتفاء، يعني انتفاء الحكمة قطعا.
وقوله: والنفي، معطوف على ثبوت.
والمعنى أنه اختلف في ثبوت الحكم وانتفائه، عند القطع بعدم الحكمة.
ولا يبعد أن يقيد بما إذا لم يكن الخالي من الحكمة ذريعة للمشتمل عليها، كما في حديث " ما أسكر كثيره فقليله حرام " (١) والله سبحانه وتعالى أعلم.
وعللوا بما خلت من تعديه … ليعلم امتناعه والتقويه
معناه أن التعليل بالعلة القاصرة، جائز اتفاقا في المنصوصة، والمجمع عليها، وعند جميع المالكية كما قال القاضي عبد الوهاب - رحمه الله سبحانه وتعالى- والأكثرين في المستنبطة، خلافا للإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ وأصحابه وهو وجه للشافعية.
وحكى القاضي عبد الوهاب - رحمه الله سبحانه وتعالى - في الملخص قولا بالمنع
(١) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.