وأما تعليل العدمي، بالعدمي، كتعليل عدم نفاذ التصرف، بعدم العقل، وتعليل العدمي بالثبوتي، كتعليل عدم نفوذ التصرف بالسفه، فحكي في جوازهما الاتفاق.
وقال ابن المنير - رحمه الله سبحانه وتعالى -: المختار أن النفي لا يقع علة للحكم الثبوتي، ولا للنفي، لأن النفي المفروض علته، لا يجوز أن يكون النفي المطلق باتفاق، فتعين أن يكون نفيا مضافا إلى أمر، وذلك الأمر إن كان منشأ مصلحة، استحال أن يعلل بنفيه حكم ثبوتي، إذ عدم المصلحة لا يكون علة في الحكم، وإن كان منشأ مفسدة، فهو مانع، ونفي المانع لا يكون علة، نقله عنه في البحر.
وقوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: كنسبي، أشار به إلى الاختلاف في التعليل بالأمور النسبية، ويقال لها الإضافية، كالأبوة، والبنوة، والأخوة، ونحو ذلك.
ومنشأ الاختلاف: الاختلاف في كونها وجودية أو عدمية.
فإن قلنا: وجودية، جاز التعليل بها مطلقا، وإن قلنا: عدمية، جرى فيها التفصيل المتقدم.
وكذلك القول في الوصف التقديري، كتعليل ثبوت الولاء للمعتق عنه، بتقدير ثبوت الملك له، وتعليل توريث الدية، بتقدير ثبوت الملك للمقتول قبل موته، إذ لا يستحقها وهو حي، وما لا يملك لا يورث عنه، ولا ملك بعد الموت.
والخلاف في المقدر أضعف من الخلاف في العدمي.
لم تلف في المعللات عله … خالية عن حكمة في الجمله
وربما يعوزنا اطلاع … لكنه ليس به امتناع
معناه أن الأحكام الشرعية المعللة، لا تخلو علة من عللها عن حكمة، لكن في الجملة، فلا يشترط ظهور تلك الحكمة في كل محل من محال المظنة المعلل بها، وعدم ظهورنا على تلك الحكمة، في بعض العلل، لا يقتضي انتفاءها، والوقوف على الحكمة في الآلاف المؤلفة من الأحكام، يحصل غلبة الظن القريبة من القطع، بأن العدد اليسير الذي لم نظهر على الحكمة فيه، على نحو ذلك العدد الذي لا يمكن أن يدخل تحت الحصر.
خاصة وأن شأن بعض المعاني الخفاء، فيجوز التعليل بما لا يطلع على حكمته، حيث