للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق والباطل، لئلا يداني الباطل وأن يكون بعيدا عن الطرف فضلا أن يتخطاه كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (١).

الثاني: ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني: لا تقربوها أي لا تتعرضوا لها بالتغيير كقوله: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} (٢).

الثالث: أن الأحكام المذكورة فيما قبل وإن كانت كثيرة إلا أن أقربها إلى هذه الآية إنما هو قوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} وقبل هذه الآية قوله: ثم {أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ} وذلك يوجب حرمة الأكل والشرب في النهار، وقبل هذه الآية قوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم) وهو يقتضي تحريم مواقعة غير الزوجة والمملوكة وتحريم مواقعتهما في غير المأتى وتحريم مواقعتهما في الحيض والنفاس والعدة والردة، وليس فيه إلا إباحة الشرب والأكل والوقاع في الليل، فلما كانت الأحكام المتقدمة أكثرها تحريمات، لا جرم غلب جانب التحريم فقال: تلك حدود الله فلا تقربوها أي تلك الأشياء التي منعتم عنها إنما منعتم عنها بمنع الله ونهيه عنها فلا تقربوها» (٣).

وقال الإمام الألوسي: «{فَلَا تَقْرَبُوهَا} كيلا يدانى الباطل والنهي عن القرب من تلك الحدود التي هي الأحكام كناية عن النهي عن قرب الباطل لكون الأول لازماً للثاني وهو أبلغ من (لا تعتدوها) لأنه نهي عن قرب الباطل بطريق الكناية التي هي أبلغ من الصريح، وذلك نهي عن الوقوع في الباطل بطريق الصريح، وعلى هذا لا يشكل لا تقربوها في تلك الأحكام مع اشتمالها على ما سمعت، ولا وقوع {فَلَا تَعْتَدُوهَا} وفي آية أخرى إذ قد حصل الجمع وصح لا تقربوها في الكل، وقيل: يجوز أن يراد بحدود الله تعالى محارمه ومناهيه إما لأن الأوامر السابقة تستلزم النواهي لكونها مغياة بالغاية، وإما لأن المشار إليه قوله سبحانه: {وَلَا تباشروهن} وأمثاله، وقال


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري في «صحيحه»، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، (١/ ٢٠)، حديث رقم: (٥٢)، ومسلم في «صحيحه»، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، (٣/ ١٢١٩)، حديث رقم: (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-.
(٢) سورة الإسراء، الآية: (٣٤).
(٣) التفسير الكبير، (٥/ ١٢٤، ١٢٥).

<<  <   >  >>