للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجيه بهذا الاعتبار يكون ناقصًا، كما أن النفس لا تطمئن إليه حتى يتبين سر الاختصاص في كل موضع، وذلك بكشف مناسبته للسياق.

والذي يظهر - والله أعلم - هو أن الآية الأولى في النفس الأولى، والثانية في النفس الثانية، لما سنبينه - بإذن الله - من دلالة السياق، وللوجهين التاليين من نفس نص الآيتين:

الوجه الأول: أنه قدم في الآية الأولى ذكر الشفاعة، وبلفظ القبول، وذلك أن " المتبادر في نفي قبول الشفاعة أنها (أي النفس الأولى الشافعة) لو شفعت لم تقبل شفاعتها "، وليس المتبادر أن النفس الثانية لو أتت بشفيع لم يقبل منها.

الوجه الثاني: الظاهر من نص الآية الأولى هو أنها تتحدث عن النفس الأولى، فهي المحدث عنها في أول الآية: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}، وإنما قلنا إن الآية الثانية في النفس الثانية وإن كانت تشترك معها في مطلعها، ولما جاء في آخرها مما هو كالصريح في أنها للنفس الثانية، وهي قوله: {وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}، فالنفع للنفس المجزية لا للنفس الجازية.

وأما السياق فإنه كذلك يدل على أن الآية الأولى في النفس الأولى، والآية الثانية في النفس الثانية، كما أنه يفسر لنا سر التغاير بين الآيتين.

وذلك أن الآية الأولى جاءت في أول قصة بني إسرائيل، وقد افتتح الله خطابه لهؤلاء اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الآية بثماني آيات، والذي يظهر أن الخطاب كان معنيًا به أحبار اليهود وعلماؤهم، وأما العامة فكانوا تبعًا لهم، وقد افتتح هذا الخطاب بتذكيرهم بنعمة الله عليهم استجلابًا لهم للإيمان، ثم أمرهم بالوفاء بعهد الله.

وبعد كل هذا تأتي الآية محل البحث، فتجتث آخر ما قد يبقى عند هؤلاء الأحبار من العوائق، فإنه بعد أن بين الله علمه بخبايا أمورهم، وحذرهم اتباع ذلك العائق الكبير حب الرياسة الذي أبعدهم عن الحق، فإنه لابد أن تكون نفوسهم قد علمت ذنبها وإن لم تقر به، ولكن يبقى بعد ذلك عائق لا يقل عن الذي قبله وهو ما كان يتعلقون به من انتسابهم للأنبياء ورجائهم شفاعتهم، وهذا يجعلهم لا يستعظمون ذنوبهم وعصيانهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فلقد

<<  <   >  >>