للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ هَذَا الْإِمَامِيَّ لَمَّا أَخَذَ يَذْكُرُ عَنْ طَائِفَتِهِ أَنَّهُمُ الْمُصِيبُونَ فِي التَّوْحِيدِ دُونَ غَيْرِهِمُ احْتَجْنَا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ، فَنَقُولُ: أَمَّا [مَا] ذَكَرَهُ [مِنْ] لِفَظِ (١) الْجِسْمِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، لَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرُهُمْ.

وَلَكِنْ لَمَّا ابْتَدَعَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ (٢) الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنِ ابْتَدَعَ ذَلِكَ هُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ مُعَلِّمُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ آخَرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ هَذَا الْجَعْدُ مِنْ حَرَّانَ (٣) ، وَكَانَ فِيهَا أَئِمَّةُ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةُ، وَالْفَارَابِيُّ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْفَلْسَفَةَ عَنْ مَتَّى ثُمَّ دَخَلَ إِلَى حَرَّانَ فَأَخَذَ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا عَنْ أُولَئِكَ الصَّابِئَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِحَرَّانَ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْهَيَاكِلَ الْعُلْوِيَّةَ وَيَبْنُونَ (٤) : هَيْكَلَ الْعِلَّةِ الْأُولَى، هَيْكَلَ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ، هَيْكَلَ النَّفْسِ الْكُلِّيَّةِ، هَيْكَلَ زُحَلَ، هَيْكَلَ الْمُشْتَرَى، هَيْكَلَ الْمِرِّيخِ، هَيْكَلَ الشَّمْسِ، هَيْكَلَ الزُّهْرَةِ، هَيْكَلَ عُطَارِدَ، هَيْكَلَ الْقَمَرِ، وَيَتَقَرَّبُونَ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ (٥) مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْقَرَابِينِ وَالْبَخُورَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (٦) .


(١) ن، م: أَمَّا ذِكْرُهُ لَفْظَ. . .
(٢) ن، م: أَوَاخِرَ.
(٣) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ ١/٧، ٣٠٩. وَقَدْ قُتِلَ الْجَعْدُ حَوَالَيْ سَنَةَ ١١٨. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا لِسَانَ الْمِيزَانِ ٢/١٠٥ ; مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ ١/١٨٥ ; الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ ٥/١٦٠
(٤) ن، م: وَيُثْبِتُونَ.
(٥) أ، ب: بِمَا هُوَ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ.
(٦) سَبَقَ الْكَلَامُ (هَذَا الْكِتَابُ ١/٥ - ٦) عَنِ الصَّابِئَةِ الْقَائِلِينَ بِالْحَاجَةِ إِلَى مُتَوَسِّطٍ رُوحَانِيٍّ مِنَ الْكَوَاكِبِ أَوِ الْأَصْنَامِ، وَأَشَرْتُ هُنَاكَ إِلَى أَنَّ مَرْكَزَهُمْ كَانَ حَرَّانَ. وَحَرَّانُ - كَمَا يَذْكُرُ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ -: " مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ جَزِيرَةِ آقُورَ، وَهِيَ قَصَبَةُ دِيَارِ مُضَرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّهَا يَوْمٌ وَبَيْنَ الرَّقَّةِ يَوْمَانِ وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَوْصِلِ وَالشَّامِ وَالرُّومِ. . وَكَانَتْ مَنَازِلُ الصَّابِئَةِ وَهُمُ الْحَرَّانِيُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُهُمْ أَصْحَابُ كُتُبِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ". وَيَتَكَلَّمُ الْبَيْرُونِيُّ (الْأَثَارِ الْبَاقِيَةِ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، ص [٠ - ٩] ٠٤ - ٢٠٨، ط. أَلْمَانْيَا، ١٨٧٨) عَنِ الصَّابِئَةِ بِالتَّفْصِيلِ، وَمِنْ كَلَامِهِ عَنْهُمْ: " وَكَانَتْ لَهُمْ هَيَاكِلُ وَأَصْنَامٌ بِأَسْمَاءِ الشَّمْسِ مَعْلُومَةُ الْأَشْكَالِ كَمَا ذَكَرَهَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَلْخِيُّ فِي كِتَابِهِ: بُيُوتِ الْعِبَادَاتِ " وَانْظُرْ أَيْضًا: الْخُطَطَ لِلْمَقَرِّيزِيِّ ١/٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>