للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " {لَا تَحْزَنْ} " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، وَإِنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا مِنْ عَدُوِّهِمَا فَقَالَ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، وَلَوْ كَانَ عَدُوَّهُ لَكَانَ لَمْ يَحْزَنْ إِلَّا حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَهْرِهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، لِأَنَّ كَوْنَ اللَّهِ (١) مَعَ نَبِيِّهِ مِمَّا يَسُرُّ النَّبِيَّ، وَكَوْنَهُ مَعَ عَدُوِّهِ مِمَّا يَسُوءُهُ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} ، ثُمَّ قَوْلِهِ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٤٠] .

وَنَصْرُهُ لَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ عَدُوُّهُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِاقْتِرَانِ وَلِيِّهِ وَنَجَاتِهِ مِنْ عَدُوِّهِ فَكَيْفَ [لَا] يَنْصُرُ (٢) عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مَنْ يَكُونُونَ قَدْ لَزِمُوهُ، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ (٣) لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَهُمْ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ؟ .

وَقَوْلُهُ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَخْرَجَهُ، أَيْ: أَخْرَجُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نَبِيًّا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ الِاثْنَانِ مُخْرَجَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْرُجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ دُونَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُخْرِجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوهُ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَأَخْرَجُوهُ مُصَاحِبًا لِقَرِينِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَعَهُ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونُوا (٤) أَخْرَجُوهُمَا.

وَذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوا الْمُهَاجِرِينَ كُلَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٨] .


(١) س، ب: لِأَنَّ كَوْنَهُ.
(٢) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ يَنْصُرُ. . . إِلَخ. . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.
(٣) ن، س، ب: مَنْ يَكُونُ قَدْ لَزِمُوهُ لَمْ يُفَارِقُوهُ.
(٤) م: أَنْ يَكُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>