للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: ٣٧] الْآيَةَ.

فَيُقَالُ: مَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ " الصَّاحِبِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٣٦] ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ (١) .

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: ١، ٢] وَقَوْلُهُ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: ٢٢] الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ صَحِبَ الْبَشَرَ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْمُشَارَكَةِ مَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْقُلُوا عَنْهُ مَا جَاءَهُ مِنَ الْوَحْيِ، وَمَا يَسْمَعُونَ بِهِ كَلَامَهُ وَيَفْقَهُونَ مَعَانِيَهِ بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي لَمْ يَصْحَبْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمُ الْأَخْذُ عَنْهُ.

وَأَيْضًا قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَشَرٌ مِنْ جِنْسِهِمْ (٢) ، وَأَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ بِلِسَانِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ١٢٨] ، وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: ٤] فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ لِسَانَهُمْ، وَأَمْكَنَهُ


(١) م: وَكُفْرٍ.
(٢) ن، م، س: أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِمْ بَشَرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>