للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا سَيَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ مِنَ الْأَجْرِ، لَمْ يَكُنْ هُنَا حَلَاوَةُ إِيمَانٍ يَجِدُهَا الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَالِامْتِحَانِ، وَهَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ وَخِلَافُ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا قُلُوبَ عِبَادِهِ.

فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " (١) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا» " (٢) .

فَاللَّهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْلُهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَمَا مِنْ فِطْرَةٍ لَمْ تَفْسُدْ إِلَّا وَهِيَ تَجِدُ فِيهَا مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ قَدْ تَفْسُدُ الْفِطْرَةُ إِمَّا لِكِبَرٍ وَغَرَضٍ فَاسِدٍ (٣) كَمَا فِي فِرْعَوْنَ. وَإِمَّا بِأَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي الْمَحَبَّةِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٦٥] .

وَأَمَّا أَهْلُ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَإِنَّ فِي


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٢/٣٠٧ - ٣٠٨
(٢) الْحَدِيثُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ ٤/٢١٩٧ - ٢١٩٨ (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ) وَأَوَّلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: " أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ. . . وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمُ. . الْحَدِيثَ " وَهُوَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٤/١٦٢
(٣) وَ: وَعَرَضٍ آخَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>