قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (بَاب الْمكَاتَب) بِفَتْح الْفَوْقَانِيَّة، من تَقَعْ لَهُ الْكِتَابَةْ وَبِكَسْرِهَا مَنْ تقع مِنْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهَا إذَا بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الإِشْكَالَ فَقَالَ: إِنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُكِ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْت. فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا، إذْ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي» . وَقَدْ قَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: «فَهُوَ رَقِيقٌ» أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لأَنَّهُ رِقٌّ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ فَفِيهِ أَبْيَنُ بَيَانٍ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ قَالَ: وَلا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ. قَالَ: وَلا أَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَبِهِ قَالَتْ الْعِتْرَةُ، قَالُوا: لأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالاسْتِخْدَامِ. وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ وَكَانَ بَيْعُهَا فَسْخًا لِكِتَابَتِهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ.
قَوْلُهُ: «فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» ظَاهِرُ الأَمْرِ الْوُجُوبُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْقَرِينَةُ الْقَاضِيَةُ بِحَمْلِ هَذَا الأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: حُكْمُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ مِنْ الإِرْثِ وَالأَرْشِ وَالدِّيَةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَتَتَبَعَّضُ الأَحْكَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute